إن من أعظم مكايد الشيطان التي يكيد بها الإسلام وأهله التحايل على شرع الله، والخداع الذي يستعمله كثير من الناس من أجل تحليل ما حرّم الله، وإسقاط فرضه، وعصيانه في أمره ونهيه، فمثل هذا النوع من الحيل الذي يتضمن إسقاط الواجبات، وتحليل المحرمات، وقلب المظلوم ظالماً، والظالم مظلوماً، والحق باطلاً، والباطل حقاً.
فهذا النوع اتفق العلماء جميعاً على ذمّه والنهي عن فعله، وزجر أهله، والدليل على أن هذا النوع من الحيل حرام لا يجوز فعله قوله سبحانه وتعالى: ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون وقال تعالى: إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم فمخادعة الله تعالى حرام، والحيل مخادعة لله، بيان ذلك أن الله تعالى ذم المنافقين بالمخادعة، وأخبر أنه سبحانه خادعهم وخدْعه للعبد معناه عقوبته من حيث لا يشعر.
كما أخبر سبحانه عن المشركين الذين عاهدوا رسول الله فقال: ((وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله))، إذ أظهروا للرسول أنهم يريدون السلم وهم يقصدون بذلك المكر به والخداع من حيث لا يشعر، فيظهرون له الأمان ويخفون له العداء والمكر.
ومن الأدلة على تحريم التحايل على شرع الله لأجل تحليل الحرام أو إبطال حق ما أخبر به سبحانه عن أهل الجنة الذي ذكر قصتهم في سورة القلم وهم قوم كان للمساكين حق في أموالهم إذا جذّوا نهاراً أي إذا قطعوا الثمار في النهار جاء المساكين ليلتقطوا ما يتساقط من الثمر، فأرادوا أن يقطعوا في الليل حتى يسقط حق المساكين، فعاقبهم الله بأن أرسل على جنتهم آفة سماوية فأصبحت كالصريم أي مثل الزرع إذا حصد، أي هشيماً يبسا، فحرموا خير جنتهم لما تحايلوا على إسقاط حق المساكين، فكان ذلك عبرة لكل محتال يريد إبطال حق من حقوق الله أو حقوق عباده.
ومن الأدلة على تحريم الحيلة على شرع الله أن الله تعالى أخبر عن أهل السبت من اليهود أنه مسخهم قردة لما احتالوا على إباحة ما حرّمه الله تعالى عليهم من الصيد بأن جعلوا الشباك يوم الجمعة. فلما وقع فيها السمك أخذوه يوم الأحد فقال جل وعلا: ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين وقال سبحانه: واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إلى قوله: إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم. ومعلوم أن هؤلاء القوم لم يستحلوا هذا الفعل تكذيباً لموسى عليه السلام وكفراً بالتوراة، وإنما هو احتيال ظاهره لا بأس به، ولكن باطنه باطن الاعتداء على محارم الله، ولهذا مسخهم الله قردة لأنهم مسخوا أي غيّروا دين الله فلم يتمسكوا إلا ما يشبه الدين في بعض ظاهره دون حقيقته، فكان جزاء هذا المسخ أن مُسخوا قردة يشبهونهم في بعض ظواهرهم.
ولا يختص هذا المسخ ببني إسرائيل بل قد أخبر النبي أن المسخ على صورة القردة والخنازير واقع في هذه الأمة ولابد، وهو في طائفتين من الناس: علماء السوء الكاذبين على الله ورسوله الذين، قلبوا دين الله وشرعه، فقلب الله تعالى صورهم كما قلّبوا دينه والمجاهرون بالفسق والمحارم ومن لم يمسخ منهم في الدنيا مسخ في قبره أو يوم القيامة.
فقد روى البخاري عن أبي مالك الأشعري أنه سمع النبي يقول: ((ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحرى والحرير والخمر والمعازف))، إلى أن قال في آخر الحديث: ((ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة)).
وعن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله؟ ((يكون في أمتي خسف وقذف ومسخ، قيل متى يكون ذلك يا رسول الله؟ قال: إذا ظهرت المعازف والقنيات واستحلت الخمرة)).
وفي حديث أبي هريرة قوله : ((يمسخ قوم من هذه الأمة في آخر الزمان قردة وخنازير قالوا: يا رسول الله، أليس يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ قال: بلى، ويصومون ويصلون ويحجون، قالوا: فما بالهم؟ قال: اتخذوا المعازف والدفوف والقينات فباتوا على شربهم ولهوهم، فأصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير)).
قال العلماء: إنما استحق هؤلاء القوم من أمة النبي هذا المسخ من الله لأنهم أحلوا ما حرم الله بأنواع الحيل المحرمة، يحلّل الخمر بتغيير اسمها أو كالذي يحلل آلات العزف والغناء، ويعتقد أنها شبيهة بأصوات الطيور، أو يحل الحرير ويعتقد أنه حلال في كل الحالات قياساً على حال الحكة أو حال الحرب، وهكذا يحلون ما حرم الله بأدنى الحيل، وذلك ما أفسد الدين فإن من فعل محرماً وهو يعترف بأنه وقع في الحرام؟ ترتب على ذلك خشيته من الله ورجاء مغفره وإمكان توبته، أما من فعل محرماً وهو يستحله بنوع من أنواع الحيل المحرمة لاشك أنه يُصر على الحرام، وقد يؤدي به ذلك إلى شر طويل وفساد في الدين. نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا وفي الأولى والأخرى والحمد لله رب العالمين.
|