.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

التحايل على شرع الله

1297

الإيمان, فقه

الجن والشياطين, قضايا فقهية معاصرة

محمد بو سنه

عين النعجة

مبارك الميلي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- ذم الحيل. 2- الأدلة على تحريم الحيل: أ- قصة أصحاب الجنة. ب- قصة أصحاب السبت. ج- المسخ والقذف في هذه الأمة. 3- النهي عن التشبه باليهود أصحاب الحيل. 4- صور من التحايل في هذا الزمان (الريا). 5- المتحايل أعظم إثماً من العاصي.

الخطبة الأولى

إن من أعظم مكايد الشيطان التي يكيد بها الإسلام وأهله التحايل على شرع الله، والخداع الذي يستعمله كثير من الناس من أجل تحليل ما حرّم الله، وإسقاط فرضه، وعصيانه في أمره ونهيه، فمثل هذا النوع من الحيل الذي يتضمن إسقاط الواجبات، وتحليل المحرمات، وقلب المظلوم ظالماً، والظالم مظلوماً، والحق باطلاً، والباطل حقاً.

فهذا النوع اتفق العلماء جميعاً على ذمّه والنهي عن فعله، وزجر أهله، والدليل على أن هذا النوع من الحيل حرام لا يجوز فعله قوله سبحانه وتعالى: ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون وقال تعالى: إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم فمخادعة الله تعالى حرام، والحيل مخادعة لله، بيان ذلك أن الله تعالى ذم المنافقين بالمخادعة، وأخبر أنه سبحانه خادعهم وخدْعه للعبد معناه عقوبته من حيث لا يشعر.

كما أخبر سبحانه عن المشركين الذين عاهدوا رسول الله فقال: ((وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله))، إذ أظهروا للرسول أنهم يريدون السلم وهم يقصدون بذلك المكر به والخداع من حيث لا يشعر، فيظهرون له الأمان ويخفون له العداء والمكر.

ومن الأدلة على تحريم التحايل على شرع الله لأجل تحليل الحرام أو إبطال حق ما أخبر به سبحانه عن أهل الجنة الذي ذكر قصتهم في سورة القلم وهم قوم كان للمساكين حق في أموالهم إذا جذّوا نهاراً أي إذا قطعوا الثمار في النهار جاء المساكين ليلتقطوا ما يتساقط من الثمر، فأرادوا أن يقطعوا في الليل حتى يسقط حق المساكين، فعاقبهم الله بأن أرسل على جنتهم آفة سماوية فأصبحت كالصريم أي مثل الزرع إذا حصد، أي هشيماً يبسا، فحرموا خير جنتهم لما تحايلوا على إسقاط حق المساكين، فكان ذلك عبرة لكل محتال يريد إبطال حق من حقوق الله أو حقوق عباده.

ومن الأدلة على تحريم الحيلة على شرع الله أن الله تعالى أخبر عن أهل السبت من اليهود أنه مسخهم قردة لما احتالوا على إباحة ما حرّمه الله تعالى عليهم من الصيد بأن جعلوا الشباك يوم الجمعة. فلما وقع فيها السمك أخذوه يوم الأحد فقال جل وعلا: ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين وقال سبحانه: واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إلى قوله: إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم. ومعلوم أن هؤلاء القوم لم يستحلوا هذا الفعل تكذيباً لموسى عليه السلام وكفراً بالتوراة، وإنما هو احتيال ظاهره لا بأس به، ولكن باطنه باطن الاعتداء على محارم الله، ولهذا مسخهم الله قردة لأنهم مسخوا أي غيّروا دين الله فلم يتمسكوا إلا ما يشبه الدين في بعض ظاهره دون حقيقته، فكان جزاء هذا المسخ أن مُسخوا قردة يشبهونهم في بعض ظواهرهم.

ولا يختص هذا المسخ ببني إسرائيل بل قد أخبر النبي أن المسخ على صورة القردة والخنازير واقع في هذه الأمة ولابد، وهو في طائفتين من الناس: علماء السوء الكاذبين على الله ورسوله الذين، قلبوا دين الله وشرعه، فقلب الله تعالى صورهم كما قلّبوا دينه والمجاهرون بالفسق والمحارم ومن لم يمسخ منهم في الدنيا مسخ في قبره أو يوم القيامة.

فقد روى البخاري عن أبي مالك الأشعري أنه سمع النبي يقول: ((ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحرى والحرير والخمر والمعازف))، إلى أن قال في آخر الحديث: ((ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة)).

وعن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله؟ ((يكون في أمتي خسف وقذف ومسخ، قيل متى يكون ذلك يا رسول الله؟ قال: إذا ظهرت المعازف والقنيات واستحلت الخمرة)).

وفي حديث أبي هريرة قوله : ((يمسخ قوم من هذه الأمة في آخر الزمان قردة وخنازير قالوا: يا رسول الله، أليس يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ قال: بلى، ويصومون ويصلون ويحجون، قالوا: فما بالهم؟ قال: اتخذوا المعازف والدفوف والقينات فباتوا على شربهم ولهوهم، فأصبحوا وقد مسخوا قردة وخنازير)).

قال العلماء: إنما استحق هؤلاء القوم من أمة النبي هذا المسخ من الله لأنهم أحلوا ما حرم الله بأنواع الحيل المحرمة، يحلّل الخمر بتغيير اسمها أو كالذي يحلل آلات العزف والغناء، ويعتقد أنها شبيهة بأصوات الطيور، أو يحل الحرير ويعتقد أنه حلال في كل الحالات قياساً على حال الحكة أو حال الحرب، وهكذا يحلون ما حرم الله بأدنى الحيل، وذلك ما أفسد الدين فإن من فعل محرماً وهو يعترف بأنه وقع في الحرام؟ ترتب على ذلك خشيته من الله ورجاء مغفره وإمكان توبته، أما من فعل محرماً وهو يستحله بنوع من أنواع الحيل المحرمة لاشك أنه يُصر على الحرام، وقد يؤدي به ذلك إلى شر طويل وفساد في الدين. نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا وفي الأولى والأخرى والحمد لله رب العالمين.


 

الخطبة الثانية

عن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود وتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل)). فهذا نص صريح في تحريم التحايل على شرع الله.

ثم إنه نهانا عن التشبه باليهود، وقد كانوا يستعملون الحيلة في الصيد يوم السبت بأن حفروا حنادق يوم الجمعة تقع فيها الحيتان يوم السبت ثم يأخذونها يوم الأحد، ومن احتيالهم أيضاً أن الله سبحانه وتعالى لما حرم عليهم الشحوم أذابوها ثم باعوها وأكلوا ثمنها، وقالوا ما أكلنا الشحم، وإنما أكلنا ثمنه، فهم تجاهلوا أن الله تعالى إذا حرّم الانتفاع بشيء فلا يجوز أكل ثمنه.

وهو الذي قصده عمر بن الخطاب لما بلغه أن فلانا باع خمراً فقال: قاتل الله فلاناً ألم يعلم أن رسول الله قال: ((قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم، فجملوها – أي أذابوها – فباعوها وأكلوا ثمنها)) وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله يقول: ((إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل: يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس – أي يشعلون بزييها المصابيح – فقال عليه الصلاة والسلام: لا هو حرام، ثم قال: قاتل الله اليهود إن الله لما حرّم عليهم شحومها جملوه – أذابوه – ثم باعوه فأكلوا ثمنه)).

فهذا الحديث أصل عظيم في أن كل حيلة يستعملها العبد من أجل الوصول إلى المحرم فهي باطلة، وأنه لا يتغير حكم هذا المحرم ولو تغيرت صوته، أو بدّل اسمه، كما يحدث اليوم في الذين يتحايلون على الربا فيسمونه المعاملة والفائدة، ويغيرون صورته إلى البيع، وإنما هو حيلة ومكر وخداع لله تعالى الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور, أفيظن هذا المتحايل المخادع أن أمره سيخفى على الله؟ أفلا يقرأ قول الله تعالى: واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه أليس في نيته وقرارة نفسه أنه يريد ما حرم الله ولكن يكسوه بثوب من الخداع والمكر لا يخفى إلا على من جعل الله على بصره غشاوة؟ فأي فرق بين ما يفعله المتحايل على الربا وبين ما فعلته اليهود من استحلال الشحوم لما غيروا اسمها وصورتها، فإنهم أذابوها حتى صارت زيتا ثم باعوه، وأكلوا ثمنه، وقالوا إنما أكلنا الثمن ولم نأكل الشحم.

فالله سبحانه وتعالى إنما حرم المحرمات لأنها اشتملت على المفاسد المضرة بالدنيا والدين ولم يحرمها لأجل أسمائها وصورتها، ولا  تزول هذه المفاسد بتبدل الأسماء ولا بتغيّر الصورة والأسماء لِما لعن الله اليهود على تغير صورة الصيد يوم السبت بالصيد يوم الأحد وتغيير صورة الشحم واسمه بإذابته.

إن الذي يتحايل على محارم الله أعظم إثماً ومفسدة، فزيادة على أنه عاصٍ لله في أمره ونهيه فهو أيضاً مخادع لله ورسوله، غاش لدينه وشرعه، شأنه شأن المنافق يخادع الله كأنما يخادع الصبيان، ولو أنه أتى الأمر على وجهه لكان أهون.

فيا عباد الله اتقوا الله تعالى واحذروا من المعاصي، واحذروا التحليل على محرام الله، وتعاملوا بالمعاملات الحلال، وابتعدوا عن المعاملات الحرام، واسألوا أهل العلم عما خفي عليكم من هذه المعاملات، حتى لا تقعوا في شيء مما حرم الله فيها من الحيل المحرمة. وفقني الله وإياكم للهدى والتقى والعفاف والغنى، وحمانا مما يغضبه ويسخطه آمين. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً