إن مما يدل على مسمى الرشوة وإطلاقها ما يدفعه الناس إلى القضاة والحكام، وكذلك ما يأخذه العمال على أخذ الصدقات، وما يأخذه الموظفون والعمال وأرباب المهن من الناس في الوظائف الحكومية العامة التي يتقاضون منها أجوراً شهرية، فما يأخذونه من الناس نظير ما يقدمونه من الأعمال التي هي من صميم ما أوكل اليهم مما يتقاضون به أجراً هو أيضاً من الرشوة، وهو حرام بالإجماع، فيا عباد الله إنه قد عم في هذه الأيام بين المسلمين قبض الرشوة ودفعها وتهاون المسلمون في ذلك نتيجة الفساد الإداري المالي الذي يضرب بأطنابه في جذور المجتمع، فقل أن تجد من يتحرز عن هذه الأموال التي يأكلها أكثر الناس سحتاً يكسبونه حراماً، فالمال الحرام لايأتي بخير أبداً وصاحبه لا يبارك الله له في أهله وماله، وعاقبة المال الحرام وخيمة.
وأعلموا أن الهدايا التي تقدم لعمال الصدقة والموظفين حرام، وهي من الرشوة ودليله عن أبي حميد عبدالرحمن بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: استعمل النبي رجلاً من الأزد يقال له: إبن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي الي. فقام رسول الله على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: ((أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله، فيأتي فيقول: هذا لكم وهذا أهدي إلي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقاً، والله لايأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة فلا أعرفن أحداً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء أوبقرة لها خوار أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رؤي عفرة إبطيه فقال: اللهم هل بلغت (ثلاثاً)))، والرغاء هو صوت الأبل والخوار هو صوت البقر.
أيها المسلمون إن المصائب التي تتوالى علينا بين حين وآخر وتفاقم المشكلات وتعاظم المنكرات وإنعدام الأمن وشيوع الفساد وتتابع المحن والإبتلاءات كلها بسبب ذنوبنا ومعاصينا ونحن نضج ونشكو وندعو الله ولا يستجاب لنا، إذ كيف يستجاب للإنسان وهو يأكل المال الحرام، فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((إن الله طيب لايقبل إلا طيباً وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم [البقرة:172] الآية، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه الى السماء، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك))، أي كيف يستجاب لمن هذه حاله.
إن المال الحرام كما أنه سبب من أسباب شقاء الإنسان فهو من أسباب حجب إجابة الدعاء هذا في الدنيا أما في الآخرة فإن آكل أموال الناس بالباطل معرض للوعيد فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لادرهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار))، فيامن يأكلون الرشوة ويستحبونها أحذروا من أكل أموال الناس بالباطل، واعلموا أن الظلم ظلمات يوم القيامة، وردوا المظالم إلى أهلها وتوبوا إلى الله قبل أن يأتي يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
|