عباد الله بعد أيام يهلنا يوم عظيم من أيام الله إنه يوم عاشوراء , صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((صوم يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية)), وعاشوراء هو يوم العاشر من شهر الله المحرم, كما ثبت عنه عليه وعلي آله وسلم أنه قال: ((عاشوراء يوم العاشر)), وفي البخاري أنه صلى الله وسلم عليه قدم المدينة فرأى إلى هود تصوم يوم عاشوراء, فقال ما هذا , قالوا هذا يوم صالح , هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى, قال صلى الله عليه وعلي آله وسلم: ((فأنا أحق بموسى منكم)). فصامه وأمر بصيامه. وفي صحيح مسلم فصامه موسى شكراً لله تعالى فنحن نصومه. وفي مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: وهو إلى وم الذي استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح شكراً.
و لنا مع هذه الأحاديث الصحيحة وقفات:
أولها: الفضل العظيم في صيام يوم العاشر من شهر الله المحرم حيث يكفر به الله للصائم سنة وكل بني آدم خطاء وأينا لا يحتاج للمغفرة وتكفير الخطايا.
الثانية: أن سبب صيامه هو الاقتداء بنبيين من أولى العزم من الرسل اقتدى بهم نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأمرنا بالاقتداء بهما فصار شرعاً لنا ذلكم النبيان هما موسى ونوح عليه ما وعلى نبينا الصلاة والسلام, فما نوح وما موسى وما قوم نوح وما فرعون؟, نوح هو الذي قال لقومه: إني لكم نذير مبين أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون فهذه خلاصة دعوته, أن يخلصوا العبادة لله وحده فلا ود ولا يغوث ولا يعوق ولا نسراً ولا سواع يستحق العبادة بل الله وحده هو الذي يعبد ويتقى ونوح وحده هو الذي قال فيما يبلغ عن ربه جل وعلا: أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون فماذا قال له قومه؟ قالوا إنا لنراك في ضلال مبين وفي حقيقة الأمر أن الذين قالوا له هذا هم الملأ من قومه, أي العلية المتسلطون فيهم فوافقهم العامة والدهماء فحل العذاب حين نزل بالجميع لسكوتهم وعدم إنكارهم على الملأ بل وتصديقهم في تكذيب نوح ورد دعوته كما قال الله جل وعلا: قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ومكروا مكراً كباراً وقالوا لا تذرن ألهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً وقد أضلوا كثيراً ولا تزد الظالمين إلا ضلالاً وقالوا لنوح: ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم على نا من فضل بل نظنكم كاذبين , وأراذلهم فقراؤهم وغير ذوي المال منهم, وهكذا يفعل المتجبرون الظالمون في كل حين كما قال قوم شعيب لشعيب عليه السلام: وإنا لنراك فينا ضعيفاً ولولا رهطك لرجمناك وما أنت على نا بعزيز فالمعيار عندهم المال والعشيرة ولا التفات عندهم إلى ذات القول وصحته وصلاحيته , بل قبل النظر في القول انظر إلى قائله فإن كان له سيف يحميه أو قبيلة تؤويه أو تابع يفديه اعتبر قوله ونظر فيه بل خضع له ولو كان فيه ما فيه وإن لم يكن كذلك نتف ريشه وقلمت أظفاره وقطعت قوافيه , فلله ما أصبر أنبياء الله على أذى سمعوه وما أشد إصرارهم على دعوتهم وتوكلهم على خالقهم كما ذكر ذلك عنهم ربنا عز وجل من قولهم لأقوامهم وما لنا أن لا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلي الله فليتوكل المتوكلون وقال عن نوح عليه السلام مبيناً إصراره على دعوته على الرغم أنه ما آمن معه إلا قليل واتل عليه م نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر على كم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم على كم غمة ثم اقضوا إلى ولا تنظرون وبهذا الصبر والتوكل والثبات كانت العاقبة الحميدة في الدنيا بهلاك الظالمين من قومه وفي الآخرة بجنة عرضها السماوات والأرض, بجنة الفردوس بمقعد صدق عند مليك مقتدر وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يعملون واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربي لغفور رحيم وهي تجرى بهم في موج كالجبال كل هذا كان في يوم عاشوراء وهي تجرى بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال سأوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم إلى وم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعداً للقوم الظالمين ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحكمين قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين , تلكم يا عباد الله قصة نوح مع قومه وتلكم نهايته ونهاية قومه وتلكم عاقبة المتقين وعاقبة الظالمين. وفي يوم عاشوراء تم كل هذا كما رواه الإمام أحمد عن أبي هريرة فصامه نوح شكراً وصامه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم اقتداء وشرعه لنا فنصومه نحن فرحاً بهلاك الظالمين ونجاة الأنبياء المصلحين. أما موسى فهو أحد الخمسة من أولي العزم من الرسل, وما قص الله علينا في كتابه قصص نبي أكثر منه عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام, أرسله الله إلى فرعون طاغية مصر يدعوه لعبادة الله وترك تعبيد الناس له ويتركه ولا يمنعه من الدعوة إن لم يؤمن به وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون , لكن فرعون وملأه لم يؤمنوا به ولم يعتزلوه ولم يتركوه يدعو الناس بل حاصروه عليه السلام وطاردوه , وقال فرعون عن موسى ومن معه من المؤمنين وهم قليل إن هؤلاء لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون وقال فرعون للناس: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين ، يعني نبي الله موسى صلى الله على موسى ولعن فرعون, يقول فرعون كما قص الله عنه أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين فلولا ألقى عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين , وهكذا فنظرته كنظرة الملأ من قوم نوح لا ينظرون إلى القول الذي قيل بل إلى صاحب القول, ففرعون يرى أن موسى مهين أي حقير , وأنه لا مال له وليس عليه أسورة من ذهب, وقد استخف قومه بهذا التلبيس فأطاعوه. قال الله تعالى: فلما آسفونا (أي فلما أغضبونا) انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين , وهكذا يهلك فرعون الذي كان يقول بكل عظمة ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ويهلك معه قومه الذين اتبعوه وصدقوه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد , يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود, وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود , فرعون الذي كان يقول: ما علمت لكم من إله غيري ويقول: أنا ربكم الأعلى , ويقول: لأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى إلى آخر ألوان طغيانه وجبروته, يهلكه الله في البحر وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون بجنوده بغياً وعدواً حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ءآلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثير من الناس عن آياتنا لغافلون , وهكذا ينتهي فرعون وجبروته وينجي الله موسى ومن معه من المؤمنين في مثل يوم عاشوراء فنحن نصومه فرحاً بنجاة المصلحين وهلاك المفسدين.
اللهم إن نوحاً قد دعا بقوله رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً . وإن موسى قد دعا بقوله ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم . اللهم إنا ندعوك, اللهم كل من آتيته زينة وأموالاً في الحياة الدنيا فاستخدمها في الإضلال عن سبيلك, اللهم فاطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده تعظيماً لشأنه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى غفرانه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فيا عباد الله فمن العبر التي نأخذها من هذه الأحاديث أن أيام النصر لا تعاد ذكراها بالمعاصي والكفران بل بالشكران لله صاحب الفضل أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً, فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يتخذ يوم عاشوراء عيداً بل إنه صامه وأمر بصيامه ولو كان عيداً لما صامه لأن الأعياد لا يجوز صيامها, بل صامه شكراً لله على إنجائه موسى ومن معه وإهلاكه فرعون وجنوده, ومنها أن رابطة الإيمان تتخطى حواجز الزمان والمكان. |