عباد الله: ونحن نستهل اليوم عاماً هجرياً جديداً يحسن بنا أن نستلهم من حديث هجرته صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعض الدروس والعبر نستنير بها في حياتنا, وإن لنا يا عباد الله في سياق قصة الهجرة في كتاب الله لدروس وعبر:
أولها: أن الله جل وعلا بين في كتابه أن الناس حزبان وهما قوم استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله وقال عنهم أولئك حزب الشيطان ثم بين مآل أمرهم وعاقبة مكرهم بقوله ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين .
وثانيهما ذكره جل وعلا وذكر عاقبة أمرهم في قوله: كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ثم ذكر شيئاً من صفات أتباع الرسل الذين هم حزبه جل شأنه بقوله لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون .
فأولئك حزب الشيطان وهؤلاء حزب الله, أولئك خاسرون وهؤلاء مفلحون, أولئك استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله, وهؤلاء تجردوا من جميع حدود النفس لربهم جل شأنه فلم يقدموا على مرضاته شيئاً من محبوباتهم ومألوفاتهم.
الثانية: أن الصراع بين الحزبين ما يزال دائراً منذ أخرج الله عز وجل إبليس من الجنة وأهبط منها آدم عليه الصلاة والسلام بعضكم لبعض عدو , فإبليس وجنده حزب وأدم ومن تبعه حزب ألم أعهد إليكم يا بني أدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً أ فلم تكونوا تعقلون .
الثالثة: أن الحق قد يعتريه أحياناً مراحل وأوقات يضعف فيها أنصاره , ويقل فيها أتباعه ويشردوا ويطردوا قد نعلم أنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون فهذه سنة الله في الصراع بين الحق والباطل يبتلي أولياءه بأعدائه ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون.
الرابعة: أن أولياء الشيطان وحزبه قد يشتدون في خصومتهم لحزب الله وأوليائه لدرجة تخرجهم حتى عما يقتضيه العقل السليم مما يصور تخبط الشيطان بهم وتلاعبه بعقولهم وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو آتنا بعذاب أليم وكان مقتضى العقل السليم أن يقولوا اللهم إن كان هذا الحق من عندك فاهدنا إليه .
الخامسة: إن حزب الشيطان حين تعييهم الحيلة في طمس نور الله الذي يحمله أولياء الله وحزبه يلجؤن إلى أساليب التشويش على أولياء الله والحيلولة دون أن يصل صوتهم إلى عامة الناس وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية والمكاء التصفير والتصدية التصفيق.
السادسة: أن حزب الشيطان ينفقون الأموال الطائلة للصد عن سبيل الله ولكنها في النهاية تكون حسرة وندامة عليهم وسبباً في هزيمتهم إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون .
السابعة: أن حزب الشيطان لا يتورعون عن أي وسيلة للقضاء على أولياء الله وحزبه سواء كانت هي السجن أو القتل أو إخراج من البلاد وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أي ليسجنوك ويوثقوك أو يقتلوك أو يخرجوك وقد تدارسوا هذه الأساليب الثلاثة أيها أنفع لهم في القضاء على النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته ليلة الهجرة فاستقر رأيهم على قتله صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم في أحاديث الهجرة ولكن الله عصمه منهم وأنجاه وأتم نوره ولو كره الكافرون.
الثامنة: أن حزب الشيطان يمكرون والله جل وعلا يمكر لأوليائه والعاقبة للمتقين والنصر للمؤمنين ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوى عزيز إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|