اعلم أخي المسلم وفقني الله وإياك وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه أن مما يتأكد إجتنابه والتحذير منه وإنكاره الغش والخداع في المعاملات، فإن الإسلام يحرم ذلك بكل صوره في بيع وشراء وفي سائر أنواع معاملات الإنسان فالمسلم مطالب بإلتزام الصدق في كل شؤونه، والنصيحة في الدين أغلى من كل مكسب كما قال : ((الدين النصيحة)) وقال : ((البيعان بالخيار مالم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما)) ومر رسول الله برجل يبيع طعاماً فأعجبه ظاهره، فأدخل يده فيه فرأى بللاً فقال: ((ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يارسول الله – أي المطر – فقال : فهلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غشنا فليس منا))، وفي رواية أنه مر بطعام وقد حسنه صاحبه، فوضع يده فيه فإذا بالطعام رديء فقال: ((بع هذا على حدة وهذا على حدة من غشنا فليس منا))، فانظر بماذا حكم على من غش في الطعام، والطعام مادة ينتهي أثرها بسرعة فكيف بما هو أعظم وأعظم من ذلك، فالإيمان الصحيح الكامل يلزمنا الصدق والإخلاص والتقوى والنصح وفي الحديث الصحيح: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه مايحب لنفسه من الخير)).
فإذا سألك إنسان مؤمن عن حال رجل وأخلاقه وأمانته ودينه فأجبته بغير ماتعرف وتعلم كأن كان فاسقاً فقلت: إنه صالح أو كان صالحاً فقلت: إنه من المفسدين. فقد غششته، وإن إستنصحك أخوك المؤمن عن إمرأة يريد أن يتزوجها تعرفها وتعلم صفاتها وأخلاقها وأهلها فلم تصدقه الحقيقة ولم تذكر له الحق الذي تعرفه فقد كذبت عليه وغششته وكنت من الخائنين، واذا سألك أخوك عن تاجر ومعاملته للناس فقلت غير الحق وعمّيت عليه أمره فمدحته وهو مذموم، فاعلم أنك بذلك جمعت بين الغش والكذب، ومحل ذلك كله إذا كان السائل له مصلحة تتعلق بمن يسألك عنهم فلزمك أن تصدقه الخبر وأن تبذل له النصيحة خالصة لوجه الله تعالى، أما اذا كان السائل من الذين يبحثون عن أحوال الناس ويتبعون عوراتهم وأخطاءهم ليشهر بهم ويطعن في أعراضهم وينتقص منهم فليكن جوابك له على كل سؤال قول النبي : ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) وقل له: الأولى بك أن تفتش عن نفسك وعيوبها والسعي في إصلاحها واحذر أن تتصف بما قاله الشاعر:
شر الورى من يعيب الناس مشتغلاً مثل الذباب يراعي موضع العلل
وإذا كان الغش وهو تقديم الباطل في ثوب الحق مذموماً في الطعام فكيف بالغش في الوظيفة والعمل والتوجيه والإرشاد وفي جميع شئون معاملة الإنسان لأخيه، ولهذا كان السلف يفهمون مدى خطورة الغش ويطبقون أحاديث المصطفى فكانوا يبينون ولا يكتمون، ويصدقون ولا يكذبون، وينصحون ولا يغشون، عرفوا بحق قول النبي : ((لا يحل لإمرئ يبيع سلعة يعلم بها داءً أي عيباً الا أخبر به))، وتزداد حرمة الغش إذا صاحبته اليمين الكاذبة، يحلف وهو كاذب كما قال : ((الحلف منفقة للسلعة ممحقة للبركة)) وقد أصبح الغش عند كثير من البائعين إلا من رحم الله ركناً أساسياً يندر أن تجد بائعاً غير غاش، فينبغي للإنسان في هذا الزمان الذي انتشر فيه الغش وعمّ وطمّ وقل فيه الخوف والضرب على أيدي الغشاشين أن يحذر منهم ويتحفظ في المعاملة معهم فإنهم بمثابة السُّراق، وكثير من البائعين اليوم ممن لايخاف الله يحاول إخفاء العيب بوضع لاصق عليه أو يجعله في اسفل صندوق البضاعة أو يستعمل مواد كيميائية ونحوها، تظهر بمظهر حسن براق أو يخفي صوت العيب الذي في المحرك في أول الأمر، فإذا عاد المشتري بالسلعة لم يلبث أن تتلف من قريب، وبعضهم يغير تاريخ انتهاء صلاحية السلعة، أو يمنع المشتري من فحص السلعة وتجريبها، والغالب في من يبيعون السيارات والآلات أنهم لا يبينون عيوبها فهذا كله حرام لا يحل فعله.
عباد الله: إن الغش معصية لله ولرسوله، وإنه لايفيد صاحبه إلا الوزر والخزي العاجل والآجل إن لم يتب، وإنه لمن العار، إنه يضيع الثقة، فإن الناس إذا عرفوا الرجل غاشاً في معاملته انصرفوا عنه وأسقطوا الثقة به، فأغلق بذلك على نفسه أبواب الربح والخير، ومن جنايات الغش على صاحبه أن البركة تذهب من عمل يديه وربما دارت عليه أو على ذريته الدوائر.
فاتقوا الله عباد الله وعاملوا الناس بالعدل، عاملوهم بما تحبون أن يعاملوكم به، حللوا مكاسبكم اجعلوها زاداً لكم يعينكم على طاعة ربكم، لا تجعلوها غرماً عليكم فتفقدوا بركتها وتستحقوا عقوبة الله من أجلها، وفي الحديث: ((لا يكسب عبد مالاً من حرام فيتصدق به فيقبل منه ولا ينفق منه فيبارك له فيه، ولايتركه خلف ظهره إلا كان زاده في النار، إن الله لايمحوا السيئ بالسيئ ولكن يمحوا السيئ بالحسن، إن الخبيث لا يمحوه الخبيث، ولن تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب)) واجعلوا قول ربكم دائماً نصب أعينكم ياأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل .
|