وبعد:
أيها المؤمنون نحن على أبواب شهر ذي الحجة حيث نرقب فيه بعد أيام قليلة وفود ذلك اليوم العظيم الذي تجتمع فيه وفود المسلمين من كل جوانب الأرض وفجاجها تلبية النداء الخالد الذي أذن به إبراهيم عليه الصلاة والسلام إستجابة لأمر ربه اذ قال له: وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا إسم الله في أيام معدوادات على مارزقهم من بهيمة الأنعام وإذ كان حجاج بيت الله الحرام قد أكرمهم الله بهذه العبادة العظيمة وهي الحج فإن المسلمين في أرجاء الوطن لابد أن يكون لهم كرماً من الله ومنة عليهم وتكريماً لهم عبادة يتقربون بها الى الله وهي تشبه بعضاً من هذه العبادات التي يؤديها الحجاج والعمار، هذه العبادة هي الأضحية، والأضحية هي النسيكة التي تذبح يوم العاشر من ذي الحجة أي يوم عيد الأضحى وإنما شرعت لهذه الأمة تذكيراً لها بتلك النعمة الجليلة التي أنجى الله بها أبانا إسماعيل عليه الصلاة والسلام كما قصها علينا القرآن الكريم فقال تعالى: فلما بلغ معه السعي قال يابني إني أرى في المنام أني أذبحك فأنظر ماذا ترى قال يا أبت أفعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا ابراهيم أن قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم فكانت هذه الأضحية تذكيراً لهذه الأمة بنعمة جليلة أبقت على وجودها في هذه الأرض لتحمل رسالة الإسلام وتكون خير أمة أخرجت للناس في هذه الدنيا، وهذه النعمة ينبغي لهذه الأمة أن تشكر الله عليها وتديم الشكر عليها، والشكر لا يكون مؤدى على وجهه الا اذا تحقق فيه شرطان:
الأول: فهو أن يكون خالصاً لله وحده.
الثاني: بأن يكون عملاً موافقاً لهدي النبي وبذلك يتحقق الشكر الذي شرعه الله لهذه الأمة أداءً لحق الله عليها لكي تتقرب الى الله بأجل الطاعات وأعظم النعم.
واذا كنا نشارك حجاج بيت الله هذه الشعيرة العظيمة وهي الأضحية، فلابد أن نعلم بعضاً من أحكامها لنكون على بينة منها، لأن المسلم لاينبغي أن يجهل حكماً من أحكام الله التي فرضها وشرعها له، ولكي نتبين أحكام هذه الأضحية يجب علينا أن نعلم:
أولاً: أن الله تبارك وتعالى شرع هذه الأضحية أو النسيكة لهذه الأمة، به حكم كتابه وعلى لسان رسوله وأجمعت الأمة عليها من يوم أن شرعها النبي ولن تغيب مشروعيتها ما دامت تحيا على وجه الأرض، وفي ذلك يقول ربنا سبحانه وتعالى: إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر فقد جاء ترتيب النحر أي الذبح بعد الصلاة وهذا الترتيب فعله رسول الله عملاً، وعلمه أمته أيضاً قولاً وعملاً ذلك من سنته الحكيمة المحكمة، فالله سبحانه وتعالى يقول: فصل لربك وأنحر أي صل صلاة عيد الأضحى ثم أنحر وأذبح نسيكتك تعليماً وإشهاداً لهذه الأمة أنها لن يغيب عنها حكم من الأحكام وأن هذه الأحكام إنما شرعت بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه .
وأما من السنة فقد جاءت الآثار والأحاديث القولية والفعلية كثيرة، كثيرة جداً من ذلك ما يرويه لنا انس بن مالك أن النبي ضحى يوم الأضحى بكبشين سمينين أملحين، والأملح هو الأبيض الذي يخالطه بعض السواد، وكان عليه الصلاة والسلام اذا فعل أمراً أشهد الناس عليه لأنه يريد أن يشيع وأن يكون مشروعاً لهذه الأمة بقوله وفعله ولذلك كان عليه الصلاة والسلام لا ينحر نسكه الا في المصلى، ومن هنا ثبتت الحكمة التي من أجلها شرعت صلاة العيد في المصلى ولم تشرع في المساجد، ذلك لأن المساجد ليست محلاً لإراقة الدماء، وقد أجمعت الأمة على هذه الأضحية من غير نكير لها ولا مخالف لها، بحيث لايستطيع أن يغيب عنها حكمها.
ثانياً: وأما المسألة الثانية التي ينبغي أن نعلمها ألا وهي أن هذه العبادة وهي الأضحية إنما تكون من المال وليست من جهد البدن، وعليه فإن المسلم الذي يريد أن يضحي عليه أن يتخير مال أضحيته من طيب ماله وكسبه، ولذلك فلا تعمدوا أيها المؤمنون الى المال المخلوط بالربا أو بشيء من الحرام لتشتروا به أضحيتكم، ذلك لأن الله أمرنا أن نخرجها وننفقها من طيب أموالنا إذ يقول سبحانه: يا ايها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولاتيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه والرسول يقول: ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)) اذاً لايليق بالمسلم أن يشتري أضحيته إلا من طيب وخالص ماله حتى تكون عبادته مقبولة.
ثالثاً: وأما المسألة الثالثة وهي أن الأضحية لا تقبل إلا بشروط، وقد أوضحها وبينها نبينا عليه الصلاة والسلام وهي:
أن تكون الأضحية مسنه، والمسنة هي الثنية من الضأن والبقر والإبل فمن الضأن في سنة فما فوق، ومن البقر سنتين وتدخل في الثالثة، ومن الأبل خمس سنوات وتدخل في السادسة، فاذا تعسرت المسنة أجزأت الجذعة من الضأن التي لم تبلغ سنة لقوله : ((لا تذبحوا الا مسنة الا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن))، فعليكم أن تختاروا أنعم السن وأحسنها بدناً، وأصفاها دماً، وأنقاها من العيوب كما قال مبيناً لنا الشروط والأخرى: ((أربعة لاتجوز في الأضاحي العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ضلعها، والعجفاء التي لا تنقى)) والعجفاء التي لا تنقى أي الهزيلة الضعيفة التي ذهب مخ عظم ساقيها ولأجل ذلك كان النبي يتخير السمين من الكباش حتى تكون سليمة من العيوب، فضحى عليه الصلاة والسلام بكبشين سمينين أملحين. فعليكم عباد الله أن تختاروا الأضحية الحسنة المنظر، السليمة من العيوب، والتي أتمت السنة وإلا فالأقرب الى السنة وفقني الله وإياكم لتعظيم شعائر الله عز وجل.
|