وبعد:
فيا عباد الله: لن ينعم بالسعادة من عاش خارج دائرة الإسلام، وإن بدا متظاهرا بتحصيلها، ذلك لأن الإسلام منهج رباني تساوي دقته دقة نظام هذا الكون، ودقة عضوية أي كائن فيه لأن المصدر واحد هو الله عز وجل، وكم يحدث من الخلل والإفساد من أراد أن يغير شيئا مما شرعه الله عز وجل مع ما في ذلك من مخالفة لأمره سبحانه، وما أسعد من عاش الإسلام واقعا يعرف واجبه كما يعرف حقه.
ولئن كشفنا عما ينبغي أن تكون عليه المرأة لتكون زوجة صالحة فإن من الحق أن نشير إلى ما ينبغي أن يراعيه الرجل ليكون زوجا صالحا فيعيش عندئذ الزوجان متآلفين متوازيين متراحمين يسعد كل منهما بصحبة صاحبه وينعم من حولهما بثمرات ذلك.
ولن أعرض إلى الحقوق المادية التي رتبها الإسلام على الرجل فتلك لها أحاديث أخر وإنما أشير إلى الحقوق الأدبية التي يجب أن يراعيها الرجل وعلى رأس هذه الحقوق أن يعاشرها ولا يتعمد هجرها فهو مأمور بأداء حقها بقدر حاجتها وقدرته فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل، قلت: بلى يا رسول الله، قال: فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقا وإن لعينك عليك حقا، وإن لزوجك عليك حقا)).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت علي خويلة بنت حكيم بن أمية وكانت عند عثمان بن مظعون قالت: فرأى رسول الله بذاذة هيئتها، فقال لي: ((يا عائشة ما أبذ هيئة خويلة: قالت: قلت: يا رسول الله امرأة لها زوج يصوم النهار، ويقوم الليل، فهي كمن لا زوج لها، فتركت نفسها وأضاعتها، قالت: فبعث رسول الله إلى عثمان بن مظعون فجاءه فقال: يا عثمان أرغبة عن سنتي؟ قال: فقال: لا والله يا رسول الله ولكن سنتك أطلب، قال: فإني أنام وأصلي، وأصوم وأفطر، وأنكح النساء، فاتق الله يا عثمان، فإن لأهلك عليك حقا، وإن لضيفك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا، فصم وأفطر، وصل ونم)).
هذه الشريعة الحنيفية تقرر أن الزوج لو آلى (حلف) ألا يقرب زوجته، يلزم أن يحنث في يمينه قال تعالى: للذين يؤلون منكم من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم فقد نص على أن الذين يحلفون على ألا يقربوا زوجاتهم يمهلون أربعة أشهر، فإن عاد أحدهم إلى الإنصاف وأداء الحق لها فعليه كفارة يمين، وإلا كان إصراره إضرارا موجبا للفراق.
وما أكثر ما يقع مثل هذا الظلم عند المعددين للزوجات يستغني الواحد منهم بواحدة منهن وهو بعيد عن الأخريات وكأنه لاحق لهن عليه ولا يجب عليه إحصانهن.
وعلى الزوج أن يتزين لزوجته كما يحب أن تتزين له، فإنها يعجبها منه ما يعجبه منها وقد فهم السلف ذلك من قوله تعالى: ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: إني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي لهذه الآية.
ومن حق الزوجة أن يعلمها أصول دينها: كيف تؤمن بالله الإيمان الحق وتوحده التوحيد الخالص، وتؤمن بأسمائه وصفاته على الوجه اللائق بجلاله سبحانه وتعالى، وتعرف ما يجب لله تعالى، وما يجوز له سبحانه، وما يستحيل عليه تبارك وتعالى، وتؤمن بما جاء من عند الله من أركان الإيمان وسائر أحكام الإسلام الواجبة عليها وأصول معرفة الحلال والحرام. وأن يعلمها أحكام العبادات، ويحضها على القيام بها خاصة الصلاة في أول الوقت وشروطها وأركانها ومفسداتها ومكروهاتها وسائر العبادات وحقوق الله تعالى عليها وحقوق الزوجية، وأن يعلمها مكارم الأخلاق من وقاية القلب من أمراض الحسد والبغضاء ووقاية اللسان من الغيبة والنميمة والسب والكذب، ويراقبها في ذلك كله ما استطاع إلى المراقبة سبيلا يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة ، قال علي : أدبوهم وعلموهم، وقال الألوسي: واستدل بها على أنه يجب على الرجل تعلم ما يجب من الفرائض وتعليمه لهؤلاء.
وقد أثنى الله عز وجل على نبيه إسماعيل عليه السلام فيما أثنى بقوله: وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا .
ومن حقها عليه أن يغار عليها ويصونها من كل نظرة أو كلمة فهي أعظم ما يكنزه المرء فلا يليق أن يجعلها مضغة في الأفواه تلوكها الألسنة، وتتقبحها الأعين، وتجرحها الأفكار والخواطر، كلا إن الغيرة أخص صفات الرجل الشهم الكريم، وإن تمكنها منه يدل دلالة فعلية على رسوخه في مقام الرجولة الحقة الشريفة، ومن هنا كان كرام الرجال يمتدحون بالغيرة على نسائهم، والمحافظة عليهن، وإن من شر صفات السوء ضعف الغيرة وموت النخوة ولا يركن إلى ذلك إلا الأرذلون.
ولا يقصد بالغيرة سوء الظن والتماس العثرة فعن رسول الله أنه قال: ((إن من الغيرة غيرة يبغضها الله وهي غيرة الرجل على أهله من غير ريبة)).
وقد روى الإمامان البخاري ومسلم رحمهما الله قول رسول الله : ((أتعجبون من غيرة سعد؟ أنا أغير منه والله أغير مني)).
والغيرة المحمودة ما كانت في محلها، أما ما جاوز الحد، وكان ظناً باطلا لا أساس له إلا وسوسة الشيطان فهي غيرة مكروهة قال عنها رسول الله : ((إن من الغيرة غيرة يبغضها الله عز وجل، وهي غيرة الرجل على أهله من غير ريبة)).
ومن حقها أن لا يتخونها ولا يتلمس عثراتها، وذلك بأن يترك التعرض لما يوجب سوء الظن بها، وقد دل على ذلك أحاديث منها ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ((كان النبي يكره أن يأتي الرجل أهله طروقا))، وعنه: ((نهى رسول الله أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم، أو يطلب عثراتهم)).
بل على الرجل أن يعلم أهله بقدومه كي يتأهبوا لاستقباله فلا يرى ما ينفره وقد أشار إلى ذلك بقوله لجابر حين قدم معه من سفر: ((إذا دخلت ليلا فلا تدخل على أهلك حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة)).
كل ذلك لتبقى العلاقة سليمة بعيدة عن كل ما يوهنها.
|