أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى واعلموا أن الله بحكمته ورحمته، فرض عليكم فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها فرض عليكم تعظيم شعائره وحرماته ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ألا وإن من شعائر الله مناسك الحج والعمرة إن الصفا والمروة من شعائر الله فعظموا هذه المناسك فإنها عبادة عظيمة ونوع من الجهاد في سبيل الله، سألت عائشة رضي الله عنها رسول الله : هل على النساء جهاد؟ قال: ((عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة))، عظموا هذه المناسك بالقيام بما أوجب الله عليكم فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب ، عظموا هذه المناسك بالإخلاص فيها لله تعالى والاتباع لنبيكم محمد . قوموا بما أوجب الله عليكم من الطهارة والصلاة جماعة في أوقاتها والنصح للمسلمين، واجتنبوا ما حرم الله عليكم من المحرمات العامة من الفسوق بجميع أنواعه اجتنبوا الكذب والغش والخيانة والغيبة والنميمة والاستهزاء بالمسلمين والسخرية منهم، واجتنبوا الاستماع إلى المعازف والأغاني المحرمة، اجتنبوا كل ما يلهيكم عن إكمال مناسككم وإتمامها، واجتنبوا ما حرمه الله عليكم تحريما خاصا بسبب الإحرام وهي محظورات الإحرام.
فاجتنبوا الرفث وهو الجماع ومقدماته من اللمس والتقبيل والنظر بشهوة وتلذذ، فالجماع أعظم محظورات الإحرام، وأشدها تأثيرا. من جامع قبل التحلل الأول فسد حجه ولزمه إنهاؤه وقضاؤه من العام المقبل وفدية بدنة ينحرها ويتصدق بها على الفقراء في مكة أو منى.
واجتنبوا الأخذ من شعر الرأس فإن الله يقول: ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله وألحق جمهور العلماء شعر بقية البدن بشعر الرأس وقاسوا عليه إزالة الأظفار وقالوا: لا يجوز للمحرم أن يأخذ شيئا من شعره أو أظافره إلا أن ينكسر ظفره فيؤذيه فله أخذ ما يؤذيه فقط. فمن حلق رأسه أو شيئا منه فعليه فدية يفدي بها نفسه من العقوبة وهي إما صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع أو شاة يذبحها ويتصدق بها على المساكين ويكون الإطعام والذبح في مكة أو في مكان فعل المحظور.
واجتنبوا قتل الصيد فإن الله يقول: يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم سواء كان الصيد طائرا كالحمام أم سائرا كالظباء والأرانب فمن قتل صيدا متعمدا فعليه الجزاء وهو إما ذبح ما يماثله من الإبل أو البقر أو الغنم فيتصدق به على المساكين في مكة أو منى وإما تقويمه بدراهم ليتصدق بما يساويها من الطعام على المساكين في مكة أو منى لكل مسكين ربع صاع من البر أو نصفه من غيره وإما أن يصوم عن كل طعام مسكين يوما.
وأما قطع الشجر فلا تعلق له بالإحرام فيجوز للمحرم وغير المحرم قطع الشجر إذا كان خارج أميال الحرم مثل عرفة ولا يجوز إذا كان داخل أميال الحرم مثل مزدلفة ومنى ومكة إلا ما غرسه الآدمي بنفسه فله قطعه ويجوز للإنسان أن يضع البساط على الأرض في منى أو مزدلفة أو غيرهما من أرض الحرم ولو كان فيها حشيش أخضر إذا لم يقصد بذلك إتلافه.
واجتنبوا عقد النكاح وخطبة النساء فإنه قد صح عن النبي أنه قال: ((لا يَنكِح المحرم ولا ينكح ولا يخطب))، فلا يجوز للمحرم أن يتزوج سواء كان رجلا أم امرأة ولا أن يزوج غيره ولا أن يخطب امرأة.
واجتنبوا الطيب بجميع أنواعه دهنا كان أم بخورا فقد قال النبي : ((لا تلبسوا ثوبا مسه الزعفران))، وقال في الرجل الذي مات بعرفة وهو محرم: ((اغسلوه بماء وسدر ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا))، والحنوط هو الطيب الذي يجعل في قطن على منافذ الميت ومواضع سجوده فلا يجوز للمحرم أن يدهن بالطيب أو يتبخر به أو يضعه في أكله أو شرابه، أو يتنظف بصابون مطيب ويجوز له أن يغتسل ويزيل ما لوثه من وسخ، وأما التطيب عند عقد الإحرام فهو سنة ولا يضر بقاؤه بعد عقد الإحرام، فقد قالت عائشة رضي الله عنها: ((كنت أطيب رسول الله لإحرامه قبل أن يحرم وقالت: كأني أنظر إلى وبيص المسك أي بريقه في مفارق رسول الله وهو محرم)).
واجتنبوا تغطية الرأس بما يغطى به عادة ويلاصقه كالعمامة والغترة والطاقية فقد قال النبي في المحرم الذي مات: ((لا تخمروا رأسه أي لا تغطوه)) فأما ما لم تجر العادة بكونه غطاء كالعفش يحمله المحرم على رأسه فلا بأس به إذا لم يقصد به الستر وكذلك ما لا يلاصق الرأس كالشمسية ونحوها لا بأس به لأن المنهي عنه تغطية الرأس لا تظليله. وعن أم الحصين رضي الله عنها قالت: ((حججت مع النبي حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالا وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة))، وتحريم تغطية الرأس خاص بالذكور دون الإناث.
واجتنبوا من اللباس ما منع منه رسول الله حيث سئل عما يلبس المحرم؟ فقال: ((لا يلبس القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل ولا الخفاف)) وقال: ((من لم يجد نعلين فليلبس الخفين ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل)) وتحريم هذا اللباس خاص بالذكور دون الإناث فلا يجوز للرجل إذا أحرم أن يلبس القميص مثل ثيابنا هذه ولا ما كان في معناه كالفنيلة والصدرية والكوت ولا يلبس العمامة ولا ما في معناها كالغترة والطاقية ولا يلبس البرنس ولا ما في معناه كالمشلح ولا يلبس السراويل سواء كان من ذوات الأكمام الطويلة أم القصيرة ولا يلبس الخفاف ولا ما بمعناها كالشراب ونحوها، فأما لبس الساعة في اليد أو تقلدها في العنق أو لبس النظارة في العين أو السماعة في الأذن أو الخاتم في الإصبع أو الحزام للفلوس أو لربط الإزار أو التلفف بالبطانية ونحوها عن البرد فلا بأس بذلك كله لأنه ليس داخلا فيما نهى عنه لفظا ولا معنى فيكون مباحا، فأما ربط الرداء بالمشبك فإن ربطه بمشابك متواصلة حتى صار كالقميص فالأقرب أنه ممنوع لأنه يشبه أو يقارب القميص الذي نهى عنه رسول الله وإن ربطه بمشبك واحد فقط فلا بأس به إذا كان يؤذيه بانخلاعه إذا لم يربطه وإلا فالأولى تركه، أما الأنثى فتلبس ما شاءت من الثياب المباحة قبل الإحرام غير متبرجة بزينة.
ولا يجوز للذكور ولا للإناث لبس القفازين وهما شراب اليدين ولا يجوز للمرأة لبس النقاب وهو ما يغطى به الوجه ويفتح للعينين والأفضل لها كشف وجهها إلا أن يراها أحد من الرجال غير المحارم فيجب عليها تغطيته. ويجوز للرجل وللمرأة تغيير ثياب الإحرام إلى ثياب أخرى سواء غيرها لوسخ أو نجاسة أو غير ذلك.
فاتقوا الله عباد الله واحفظوا نسككم من نواقصه ونواقضه وأطيعوا الله والرسول لعلكم ترحمون .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. |