أما بعد:
فهذا يوم الحج الأكبر، والموسم الأشهر، جعله الله عيدا للمسلمين، وشرع فيه ما شرع من شعائر الدين، تزكية للنفوس، وتبصرة للعقول، وتحسينا للأعمال، وتذكيرا بعهد إمام الموحدين، وشيخ الأنبياء والمرسلين، إبراهيم الخليل عليه وعليهم الصلاة والسلام أجمعين.
فقد كسر الأصنام، وحارب الوثنية، وحاجّ قومه وما كانوا يدعون من دون الله، وقام يدعو ربه وحده طارحا ما سواه، وحاجّ الملك الجبّار، حتى بهت الذين كفروا، وقذفوا به في النار، فما بالى بهم ولا بها، وثبت وصبر، حتى نجّاه الله، وجعل الذين أرادوا به كيدا هم الأخسرين.
وأوحى الله إليه بذبح ابنه فامتثل، واستشار ابنه إسماعيل فأجاب وقبل، فطرحه للذبح، وأسلما لله في القصد والعمل، ففداه الله بذبح عظيم، وترك عليه في الآخرين، سلام على إبراهيم، وأبقى سنة الضحيّة في الملة الإبراهيمية، والشريعة المحمدية تذكارا بهذا العمل العظيم، والإسلام الصادق لرب العالمين، ليتعلم المسلمون التضحية لله بالنفس والنفيس، وليعلموا أن المسلم من صدق قولَه فعلُه، ومن إذا جاء أمر الله كان لله كلُّه.
فتدبروا أيها المسلمون في هذا السر العظيم، ومرّنوا أنفسكم على الأضحية في كل وقت في سبيل الخير العام بما تستطيعون، ولاتنقطعوا عن التضحية ولو ببذل القليل، حتى تصير التضحية خلقا فيكم في كل حين، واجعلوا قصة هذا النبي الجليل نصب أعينكم، وتدبروا دائما ما قصّه الله منها في القرآن العظيم عليكم، وأحيوا هذه السنة ما استطعتم، وأسلموا لله رب العالمين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين رب هب لي من الصالحين فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتلّه للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدّقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين .
|