أما بعد:
عن أبي هريرة ، عن النبي قال: ((لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر)).
عباد الله، جاء الإسلام بدعوة التوحيد الخالص (لا إله إلا الله) فالله وحده هو الإله المعبود الذي يستحق العبادة، وعليه وحده التوكل، ولا يعمل إلا لأجله وتلك كانت دعوة الرسل جميعا، قال تعالى: واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا اجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون .
والله وحده له الحكم والأمر، هو سبحانه المتفرد بالخلق والتدبير، والتصرف والتقدير، والكل تحت ملكه وقهره، وإنه لمن الضلال المبين أن يعتقد معتقد أن غير الله قد يضر أو ينفع أو يعطي أو يمنع، قال تعالى: أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون .
ولقد وصل الحال بأهل الشرك والضلال إلى الخوف من أشياء وهمية، فجاء الإسلام ليثبت أن الفاعل الحق هو الله وحده، وهذا الحديث ينفي تأثير هذه الأربعة بنفسها.
أولها العدوى، فقال : ((لا عدوى))، أي على الوجه الذي يعتقده المشركون من إضافة الفعل إلى غير الله، فالإنسان المسلم يبتعد عن ما يسبب انتقال المرض إليه، كابتعاده عن الزنى حتى لا يصاب عن طريق العدوى بأمراضه الخطيرة، وكابتعاده عن المجذوم، وهو في الوقت نفسه على يقين بأنه لا يقع شيء إلا بأمر الله وحده.
ثانيها: الطيرة، فالرسول ينفي حقيقة الطيرة، وأنها اعتقاد باطل، يخالف التوحيد الذي من استمسك به، وتوكل على الله، قطع دابر الظنون الباطلة، وإنك لتعجب ممن ينتسب إلى الإسلام، ويعتقد أن الأمر بيد الله وحده، وهو مع ذلك يتطير من أشياء، وربما ورث ذاك التطير عن الآباء والأجداد.
ثالثها: الهامة، طائر من طير الليل (البومة) وكان أهل الجاهلية يتشاءمون بها، فإذا نزلت على بيت أحدهم قال: نعت إلى نفسي أو أحدا من أهل داري، فأثبت النبي أن لا شؤم بالبومة أو غيرها، قال عكرمة: كنا جلوسا عند ابن عباس، فمر طائر يصيح، فقال رجل من القوم: خير خير، فقال ابن عباس: لا خير ولا شر.
فبادر بالإنكار، لئلا يعتقد تأثيره في الخير والشر، ولينفي بذلك كل اعتقاد خرافي وهمي لا أصل له ولا حقيقة.
رابعها: صفر، وهو شهر من شهور السنة القمرية يأتي بعد الأشهر الحرم، وكان أهل الجاهلية يقولون: إنه شهر مشؤوم، فأبطل النبي ذلك الاعتقاد، ولذلك سماه المسلمون صفر الخير، ردا على اعتقاد أهل الجاهلية بأنه شهر شؤم وشر، وهذا التشاؤم هو من الطيرة المنهي عنها وإلى عهد قريب كان الناس يتشاءمون بيوم الأربعاء، كما كان العرب في الجاهلية فلا يحلقون فيه حتى كانت دكاكين الحلاقة تقفل أبوابها.
إن الإسلام – معاشر المسلمين – ينبذ ويحارب كل فكر خرافي وثنى، ويدعو الناس إلى الإيمان بالإله الواحد الأحد الذي له وحده الملك والأمر لا إله إلا هو ولا رب سواه. فادعوه مخلصين له الدين وحسبنا الله ونعم الوكيل.
|