.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

عيد الأضحى 1419هـ

987

العلم والدعوة والجهاد, فقه

أحاديث مشروحة, الذبائح والأطعمة

إسماعيل الخطيب

تطوان

10/12/1419

الحسن الثاني

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- خطبة الوداع التي خطبها رسول الله في مثل هذا اليوم ووقفات مع هذه الخطبة 2- حق الله تعالى على عباده وهو عبادته وحده لا شريك له وأن من ذلك ذبح الأضاحي وبعض أحكام الأضحية

الخطبة الأولى

 

أما بعد:

في مثل هذا اليوم خطب رسول الله في منى في حجة الوداع فقال: ((ألا تدرون أي يوم هذا، قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: أليس بيوم النحر، ثم قال: أي بلد هذا، أليست بالبلدة الحرام، ثم قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، آلا هل بلّغت، فقالوا: نعم، قال: اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب ثم قال: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض))[1] - الله أكبر.

عباد الله: هانحن اليوم نستمع إلى كلمات نبينا عليه الصلاة والسلام، كما استمع إليها ذلك الحشد المبارك من الذين حضروا معه في حجة الوداع، فقد بلّغ الشاهد، واستمع الغائب، وتناقلت القرون هذا التوجيه النبوي الداعي إلى حفظ الدماء والأموال والأعراض، ليعيش الناس في أمن واستقرار، وذاك هدف بارز من أهداف الإسلام.

وفي يوم عرفة وقف رسول الحق في صعيد عرفات ليعلن في الناس حقوقهم، ففي يوم الجمعة تاسع ذي الحجة عام عشرة خطب النبي بعرفات خطبة أعلن فيها عن الحقوق التي أقرها الإسلام لكل أحد.

أعلن الحقوق الأساسية التي لا تتحقق كرامة الإنسان إلا باحترامها، في مقدمتها حق الحياة، فقال: ((أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم))[2].

إن شريعة الإسلام عنيت عناية كبرى بالحفاظ على النفس، فليس للإنسان أن يعتدي على أية نفس بإزهاق روحها أو ربما دون ذلك، من الأضرار، وأعلن الكتاب الحكيم: أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، فقتل النفس الإنسانية، وانتهاك حق فرد واحد انتهاك لحق الجميع، الله أكبر.

ومن حق الإنسان أن لا يعتدي على ماله ولقد شدد الشرع على حفظ حق صاحب المال، فلا يؤخذ مال أحد إلا بطيب خاطر منه، ولصاحب المال أن يقاتل دفاعا عن ماله، قال عليه الصلاة والسلام: ((من قتل دون ماله فهو شهيد))[3].

ولعن الله كل من أخذ مالا بغير حق، قال عليه الصلاة والسلام: ((لعنة الله على الراشي والمرتشي))[4]، وقال ((لعن الله السارق..))[5]، وقال: ((لعن الله من غير منار الأرض))[6].

وذلك باغتصابها، إن دين الله بهذا الموقف يعمل على محاربة الظلم المتمثل في أخذ أموال الناس بالباطل، ليظل المال، الذي هو في الواقع مال الله، محفوظا نافعا.

وفي خطبة عرفات بين النبي حق النساء، ونادى وقال: ((اتقوا الله في النساء))[7]، فنبه إلى خطورة امتهان النساء واحتقارهن ومنعهن من حقوقهن، ولقد أكد القضاء على الظلم الذي لحق النساء في الجاهلية، وهو ظلم يمكن أن يلحق بالنساء كلما ابتعد المجتمع عن تعاليم الإسلام، ووقع التفريط من النساء في الأحكام الخاصة بهن والتي تحقق لهن العزة والكرامة، إن حقوق المرأة مبينة بتفصيل في الكتاب والسنة، فما على النساء إن أردن خير الدنيا والآخرة إلا الالتزام بأحكام الإسلام ونبذ كل أمر يخالف أمر الله تعالى، الله أكبر.

وفي خطبة عرفات أعلن النبي هذا القرار: ((وإن كل ربا موضوع ولكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون قضى الله أنه لا ربا))[8]، وفي ذاك اليوم والنبي يودع الدنيا، يعلن قرار الإسلام بمنع الربا، ويؤكد حرمته، ويصدر قرارا عمليا بإسقاط ربا عمه العباس ويقول: ((وأول رباً أضع رباناً، ربا العباس بن عبد المطلب))[9] وهو بذلك يعطي المثال لعدالة الإسلام، التي لا تفرق بين طبقة وأخرى في الأحكام، كما أنها لا تسمح للأغنياء، باستغلال حاجة الفقراء، والربا استغلال فظيع لذلك جاء القرآن بأعظم تهديد لمن تعامل بالربا، فقال: فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله، أي فإن لم تنتهوا عن التعامل بالربا، فأنتم في حرب مع الله ورسوله والحرب لا تكون إلا بين الأعداء، الله أكبر.

وفي هذه الخطبة الجامعة أوصى الرسول أمته بالسمع والطاعة لمن ولاه الله أمرها مادام عاملا بكتاب الله وسنة رسوله فقال: ((أيها الناس اسمعوا وأطيعوا وإن أمّر عليكم عبد حبشي مجدع ما أقام فيكم كتاب الله تعالى))[10]، ولقد ذكر الناس أن كتاب الله هو العاصم من كل هلاك والأمان من كل ضلال، فقال: ((وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله وسنة رسوله))[11]، فإذا نبذ الناس كتاب ربهم، وخالفوا شرع خالقهم حل بهم الهلاك والدمار والفساد.

وهذا النبي الحبيب الرؤوف الرحيم يحب لأمته الخير كله، والسعادة في الدنيا والآخرة لذلك حذرها – وهو يودعها في خطبة الوداع – من أن يصل بها الفساد إلى أن تتقاتل فيما بينها، كما تقاتل عدوها، فقال: ((لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض))[12] فحق المسلم على المسلم أن ينصره ويعينه لا أن يقاتله، فماذا يكون يوم الحساب جواب من سفك دما بغير حق ونبينا يقول: ((لقتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا))[13]، قال ابن العربي: "ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق والوعيد في ذلك فكيف بقتل الآدمي، فكيف بالمسلم، فكيف بالتقي الصالح"[14]. وما جواب من حمل السلاح لتخويف الآمنين ونشر الرعب بين المسلمين ونبينا يقول: ((من حمل علينا السلاح فليس منا)) [15]، إن نبي الله برئ من المفسدين الظالمين الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.

اللهم أصلح حالنا وحال المسلمين جميعا، وتغمرنا بلطفك وكرمك وجودك يا أرحم الراحمين.




[1]  أخرجه البخاري في : الفتن ، باب : قول النبي : ((لا ترجعوا بعدي كفاراً)) (7078) ، في : القيامة والمحاربين ، باب: تغليظ تحريم الدماء والأعراض والأموال (1679) من حديث أبي بكرة رضي الله عنه بنحوه.

[2]  هذا اللفظ كان في خطبته يوم العقبة أخرجه أحمد (4/76) مختصراً ، والطبراني في الكبرى (22/363-912) مطولاً من حديث أبي غادية الجهني ، قال الهيثمي في المجمع (9/298) : "رواه كله الطبراني وعبد الله باختصار ، ورجال أحد إسنادي الطبراني رجال الصحيح" ، أما خطبة عرفة فيلفظ : ((إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا...)) الحديث ، أخرجه مسلم في : الحج ، باب : حجة النبي (1218) من حديث جابر رضي الله عنهما.

[3]  أخرجه البخاري في : المظالم والغصب ، باب : من قاتل دون ماله (2480) ، ومسلم في : الإيمان ، باب : الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق كان القاصد مهدر الدم (141) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه.

[4]  أخرجه أحمد (2/212) ، وابن ماجه في : الأحكام ، باب : التغليظ في الحيف والرشوة (2213) واللفظ لهما ، وأخرجه الترمذي في : الأحكام ، باب : ما جاء في الراشي والمرتشي (1337) ، وأبو داود في : الأقضية ، باب : في كراهية الرشوة (3580) بلفظ : (لعن رسول الله الراشي والمرتشي)، من حديث عبد الله بن عمرو ، قال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح" وصححه ابن حبان (11/468) ، وقال الحاكم (4/115) : "حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وصححه الألباني في الإرواء (2621).

[5]  أخرجه البخاري في : الحدود ، باب : لعن السارق إذا لم يسم (6783) ، ومسلم في : الحدود ، باب: حد السرقة ونصابها (1687) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[6]  أخرجه مسلم في : الأضاحي ، باب : تحريم الذبح لغير الله تعالى (1978) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

[7]  أخرجه مسلم في : الحج ، باب : حجة النبي (1218) من حديث جابر رضي الله عنهما.

[8]  أخرجه الترمذي في : تفسير القرآن ، باب : سورة التوبة (3087) ، وأبو داود في : البيوع ، باب : في وضع الربا (3334) ، وابن ماجه في : المناسك ، باب : الخطبة يوم النحر (3055) من حديث عمرو ابن الأحوص ، بنحوه. من غير لفظ : ((قضى الله ....)). فلم أجده ، وليس فيه ما يدل على أنها في عرفة ، قال الترمذي : "هذا حديث حسن صحيح". وحسنه الألباني كما في صحيح الترمذي (2464).

[9]  أخرجه مسلم في : الحج ، باب : حجة النبي (1218) من حديث جابر رضي الله عنهما.

[10]  أخرجه أحمد (4/70) واللفظ له ، وأصله في مسلم كتاب : الإمارة ، باب : وجوب طاعة الأمراء في غير معصية (1838) من حديث أم الحصين.

[11]  أخرجه مسلم في : الحج ، باب : حجة النبي (1218) من حديث جابر رضي الله عنهما دون قوله : ((وسنة رسوله)).

[12]  أخرجه البخاري في : العلم ، باب : الإنصات للعلماء (121) ، ومسلم في: الإيمان ، باب : معنى قول النبي : ((لا ترجعوا بعدي كفار)) (65) من حديث جرير رضي الله عنه.

[13]  أخرجه الترمذي في: الديات ، باب : ما جاء في تشديد قتل المؤمن (1395) ، والنسائي في : تحريم الدم ، باب : تعظيم الدم (3986) واللفظ له من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه. ورجح الترمذي وفقه ، وقال : "وفي الباب عن سعد وابن عباس وأبي سعيد وأبي هريرة وعطية بن عامر وابن مسعود وبريدة". وكذا البراء عن ابن ماجه (2619). قال المنذري في الترغيب (3/202) : "إسناده حسن". وصححه الألباني في غاية المرام (439).

[14]  انظر : فتح الباري لابن حجر (12/189).

[15]  أخرجه البخاري في : الفتن ، باب : قول النبي : ((من حمل علينا السلاح)) (7070) ، ومسلم في : الإيمان ، باب : قول النبي : ((من حمل علينا السلاح)) (98) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

الخطبة الثانية

 

الله أكبر. . . .((7مرات)).

الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر ولله الحمد.

الحمد لله الذي بعث نبينا محمدا رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، بعثه بدين الهدى والرحمة، والحق والعدل والمساواة، فأنقذ الله به من الهلاك، وهدى به من الضلالة، نشهد أنه الله لا إله إلا هو ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: لقد أصبح الحديث عن الحق والحقوق يتكرر باستمرار في عصرنا، وإن من حق الإنسان أن يعرف حقوقه وأن يجتهد لينالها، لكنه ليس من حقه أن ينسى حق خالقه، ولذلك نبه النبي أمته لهذا الأمر فقال: ((يا معاذ، أتدري ما حق الله على العباد، قال: الله ورسوله أعلم قال: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا. أتدري ما حقهم عليه، قال: الله ورسوله أعلم، قال: أن لا يعذبهم))[1].

فحق الله على العباد أن يعبدوه وحده، والعبادة هي كل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال، فالصلاة والصيام والزكاة والحج عبادة، وذكر الله بالقلب واللسان وتلاوة القرآن عبادة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحكم بشرع الله عبادة واجتناب المحرمات من خمر وقمار وربا وغيبة، ونميمة وكذب، عبادة وإعانة الضعيف ورعاية الفقير والإحسان إلى اليتيم عبادة، والقيام بالأعمال النافعة من تجارة، وصناعة، وتيسير لمصالح الناس، عبادة، وهكذا.. الله أكبر.

فكل عمل يرضاه الله ويحبه، عبادة، من ذلك هذه الأضاحي التي تتقربون بها اليوم إلى ربكم، فليس هناك عمل أحب إلى الله اليوم من إراقة دم، وهذه الأضاحي سنة أبيكم إبراهيم ونبيكم محمد عليهما الصلاة والسلام، وهي سنة مؤكدة لمن قدر عليها، وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها لما في ذلك من إحياء للسنة، ومن لم يقدر على الأضحية فقد ضحى عنه النبي [2] جزاه الله عن أمته خير الجزاء.

واعلموا أن للذبح شروطا منها: أن يكون في الوقت المحدد ويبدأ بذبح الإمام بالمصلى وينتهي بغروب الشمس ثالث العيد.

ومن كان يحسن الذبح فليذبح أضحيته بيده فإن لم يتمكن فليوكل مسلما مصليا، ويقول عند الذبح بسم الله والله أكبر.

واذبحوا برفق وحدّوا السكين، ولا تظهروا السكين للضحية، ولا تذبحوها وأختها تنظر إليها، وأمروا السكين بقوة وسرعة، ولا تسلخوها أو تكسروا رقبتها قبل أن تموت، وكلوا من الأضاحي واهدوا وتصدقوا، ولا تبيعوا شيئا منها، واسألوا الله أن يتقبل منكم الله أكبر.

وأيام العيد أيام أكل وشرب وذكر فكبروا الله تعالى بعد الصلوات المفروضة من ظهر يومكم هذا إلى صبح اليوم الرابع. وأكثروا من الصلاة والسلام على من أخرجكم الله به من الظلمات إلى النور.

 



[1]  أخرجه البخاري في : التوحيد ، باب : ما جاء في دعاء النبي (7373) واللفظ له ، ومسلم في : الإيمان ، باب : الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة (30) من حديث معاذ رضي الله عنه.

[2]  أخرجه أحمد (3/356) ، والترمذي في : الأضاحي ، باب : العقيقة بشاة (1521) ، وأبو داود في : الضحايا ، باب : في الشاة يضحى بها عن جماعة (2810) من حديث جابر رضي الله عنهما ، قال الترمذي : "هذا حديث غريب من هذا الوجه والعمل على هذا عند أهل العلم". وصححه الألباني في الإرواء (1638).

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً