.

اليوم م الموافق ‏22/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

منزلة الصحابة في الإسلام

961

قضايا في الاعتقاد

الصحابة

عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري

المدينة المنورة

3/3/1406

قباء

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

لا يصح إيمان أحد حتى يعتقد قيامه صلى الله عليه وسلم بالبلاغ الكامل – قد ينتقص إيمان البعض وهو لا يدري – الخوارج واعتقادهم ومروقهم من الإسلام – من أسباب الخروج من الإسلام : أ- الطعن في الصحابة ب- الابتداع في الدين – خطورة الطعن في الصحابة وكونه طعناً في الرسول صلى الله عليه وسلم , وهو من علامة المنافقين , وهو تكذيب للقرآن لأن الله أثنى عليهم

الخطبة الأولى

أما بعد: فاعلموا أيها المسلمون أنه لا يصح إيمان أحد حتى يعتقد أن رسول الله محمدًا قد بلغ رسالات ربه وأدى الأمانة كاملة ونصح للأمة وجاهد في الله حق جهاده كيف وقد شهد له ربه بذلك لما أنزل عليه البشارة بإكمال الدين وإتمام النعمة، وذلك يوم الجمعة يوم عرفة من حجته المشهورة بحجة الوداع أنزل عليه قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا [المائدة:3].

فهذه الآية بيان من الرب عز وجل بأن دين الإسلام قد كمل وبأن شريعة الإسلام قد كملت فلا حاجة بعد ذلك إلى زيادة أحد وهي إعلام من الرب عز وجل بأن رسول الله قد أتم مهمته على خير وجه وأحسنه وقد بلغ رسالة ربه قال رجل من اليهود للفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين إنكم تقرأون آية لو نزلت علينا معشر يهود لاتخذناها عيدًا قال: أي آية. قال: ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي)) فقال عمر رضي الله عنه: ((إني لأعلم حين أنزلت وأين أنزلت وأين كان رسول الله حين أنزلت يوم عرفة وأنا والله بعرفة))[1] وفي رواية أنه رضي الله عنه قال: ((أنزلت في يوم الجمعة يوم عرفة وكلاهما بحمد الله لنا عيد))[2].

ثم أنزل الله على نبيه بعد ذلك بهذه المدينة آخ[3]ر سورة أنزلها عليه سورة (الفتح): إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا [النصر:1-3]. فكانت هذه السورة إعلامًا من الرب عز وجل بأن رسوله قد أدى واجب الدعوة والجهاد أتم الأداء، وهي إيذان أيضًا بقرب رحيل رسول الله من الدنيا وانتقاله إلى الرفيق الأعلى.

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: لما أنزل الله "إذا جاء نصر الله والفتح" قال رسول الله : ((نعيت إلى نفسي))[4] وفي رواية عنه[5] رضي الله عنه قال: ((لما أنزل الله إذا جاء نصر الله والفتح)). علم رسول الله أن قد نعيت إليه نفسه. وفي رواية: ((فأخذ بأشد ما كان قط اجتهادًا في أمر الآخرة))[6]، وذلك استعدادًا للقاء ربه عز وجل. فهل يخطر في بال مؤمن بعد ذلك بعد إعلام الله لخلقه بهذه السورة وتلك الآية بأن سبحانه قد أكمل الدين وأن رسوله قد أتم البلاغ وأدى الأمانة وأدى الرسالة هل يخطر في بال مؤمن أن رسول الله قصر في أداء الرسالة وترك لأحد من بعده أن يكمل الدين، لو ظن هذا الظن أحد لخرج من دائرة الإسلام ولبطل إيمانه ولا ينفعه بعد ذلك صلاة ولا صيام لأنه يكون بذلك قد نقض أحد ركني شهادة الإسلام؛ لا إله إلا الله محمد رسول الله.

فالركن الأول الذي هو الشهادة لله بتوحيده في العبادة لا يتم إلا بالركن الثاني وهو الشهادة لسيدنا محمد بالرسالة فمن نقض الثاني فقد نقض الأول كما أن من نقض الأول فقد نقض الثاني. لا يرد على بال مؤمن أبدًا أن هناك نقصًا أو خللاً في الدين فقد أكمل الله الدين ولا يرد على بال مؤمن أبدًا أن رسول الله قد قصر في أداء الرسالة ولكن الغافل من المسلمين قد ينقض اعتقاده هذا وهو لا يدري وهذه مصيبة من أعظم المصائب أنه قد يخرج الرجل من دائرة الإسلام ويبطل إيمانه وهو لا يدري. بل ربما كان يحسب أنه يحسن صنعًا.

مضلات الفتن من أعظم المضلات شرًا على المسلمين، قد يخرج المسلم من دائرة الإسلام وقد يفسد إيمانه وقد ينتقض اعتقاده وهو لا يدري هؤلاء الخوارج من أعظم أهل البدع شرًا، من أشد أهل البدع شرًا، كفروا وقاتلوا بل وقتلوا رابع الخلفاء الراشدين، أبا السبطين صاحب الراية يوم خيبر الرجل الذي شهد له رسول الله بأنه يحب [7]الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كفروه وقاتلوه وقتلوا لكن هؤلاء المساكين كانوا من أهل لا إله إلا الله، بل كانوا من أشد أهل لا إله إلا الله عبادة وأكثرهم صلاة وقرآنًا، بل وصفهم رسول الله لأصحابه بقوله تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم وقراءتكم إلى قراءتهم فهل شفع لهم ذلك؟ وهل نفعتهم عبادتهم؟ لقد حكم رسول الله بنفسه فقال: ((يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قبل اليهود فمن أدركهم فليقتلهم طوبى لرجل قتلهم أو قتلوه))[8]. لم تنفعهم لا إله إلا الله، ولم تنفعهم عبادتهم لأنهم أتوا بعد ذلك ببدعة عظيمة وفتنة جسيمة نقضت ذلك كله، فاحذر أيها المسلم من مضلات الفتن، احذر من مهلكات الفتن وتفقد إيمانك، واستوثق لدينك، واعلم أن من أكثر ما يؤتى الرجل في إيمانه ومن أشد ما يفسد على الرجل إيمانه وربما يخرجه من دائرة الإسلام أمران خطيران هما الطعن في الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، والابتداع في الدين، فهاتان فتنتان مضلتان مهلكتان أتى من قبلهما كثير من جهال المسلمين، وقد يكونان سببًا لخروج المسلم من دائرة الإسلام ولإفساد الإيمان على المؤمن ولإفساد الدين على صاحب الدين فلا ينفعه بعد ذلك لا إله إلا الله ولا تنفعه بعد ذلك عبادة ولا صلاة ولا صيام.

أما قضية الابتداع في الدين فقضية شائكة طويلة ربما نتعرض لها في الجمع القادمة بإذن الله تعالى ومشيئته وعونه وتوفيقه، وأما مسألة الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين فمسألة أوضح من الشمس وقد ذكرنا فيما مضى من الأيام طرفًا من هذا الموضوع وإننا مؤكدون عليه اليوم.

المهم أن نعلم أن الطعن في الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين اتهام لرسول الله بأنه لم يؤد الأمانة على الوجه المطلوب، ولم يبلغ رسالة ربه على الوجه المطلوب لأنه اتهام لسيدنا محمد بأنه لم يحسن اختيار أصحابه ولم يحسن اختيار أعوانه وأنصاره الذين يبلغون عنه دين الله للأمة اتهام لرسول الله بهذه التهمة الشنيعة التي تنقض الاعتقاد بأن رسول الله محمد قد أدى الرسالة وأتم البلاغ.

إن الطعن في الصحابة الكرام أو في أحد الصحابة الكرام هو اتهام لرسول الله بهذه التهمة الشنيعة ولذلك عد أئمة المسلمين الطعن في الصحابة الكرام نفاقًا من الرجل والطعن في واحد من الصحابة الكرام علامة على النفاق، وثبت ذلك عن رسول الله .

ففي صحيح البخاري أنه قال: ((آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار))[9] وقال : ((لا يحب الأنصار إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق فمن أحب الأنصار أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله))[10] وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ من أحدهم ولا نصيفه)).

أما الطعن في الصحابة عمومًا ومن حيث الجملة كما وقع فيه بعض أهل البدع المنكرة التي أخرجتهم عن ملة الإسلام فهو تكذيب للقرآن تكذيب للآيات من سورة الحشر فقد أثنى الله عز وجل على المهاجرين من أصحاب نبيه بقوله: للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون [الحشر:8] وأثنى الله تعالى على الأنصار من أصحاب نبيه بقوله: والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون [الحشر:9] والدار والإيمان اسمان من أسماء هذه المدينة المباركة.

ثم وصف الله تعالى حال المؤمنين من بعدهم، المؤمنون الذين لزموا الجماعة وتمسكوا بالسنة المؤمنون الناجون وأعظم علاماتهم حب الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين والدعاء للصحابة والاستغفار لهم قال تعالى: والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم      [الحشر:10].


[1] أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب (68) التفسير – سورة المائدة (109) باب اليوم اكملت لكم دينكم (4/1683).

[2] أخرجها الطبري في تفسيره (9/526) برقم (11100) وفي انقطاع.

[3] أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب (54) التفسير (4/2318) برقم (3024) عن ابن عباس موقوفاً.

[4] أخرجه أحمد في مسنده (1/217) والطبري في تفسيره

[5] أخرجه أحمد (1/344و356) البخاري في صحيحه في كتاب (68) التفسير (464) (4/1901).

[6] أخرجه النسائي في تفسيره (2/566-567) برقم (732) وغيره ومسند حسن.

[7] أخرجه البخاري في صحيحه في (16) فضائل الصحابة (9) باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي ، ابي الحسن رضي الله عنه (3/1357).

[8] أخرجه البخاري في صحيحه (92)باب قتل الخوارج والملحدين (6/2539-2540).

[9] أخرجه البخاري في صحيحه كتاب (66) فضائل الصحابة (34) باب حب الأنصار من الإيمان (3/1379).

[10] أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب (66) فضائل الصحابة (34) باب حب الأنصار من الإيمان (3/1379).

الخطبة الثانية

لم ترد.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً