أما بعد:
فلقد تواترت الأنباء في الآونة الأخيرة عن اقتحام اليهود للمسجد الأقصى وقبة الصخرة ، وتصدى أهلنا وإخواننا العزل في الأرض المحتلة لهؤلاء اليهود واشتبكوا معهم ليصدوهم عن جريمتهم النكراء، ولم تكن هذه الهجمات هي الأولى التي يقوم بها اليهود منذ احتلال القدس عام 1967، كما لم يكن التصدي لها هو الأول من نوعه من قبل جماهيرنا المسلمة المؤمنة هناك في فلسطين السليبة، ولكن الملفت للنظر هذه المرة أن هذه الهجمات لم يقم بها أفراد معتوهون كما كانت تزعم اليهود ولا منظمات متطرفة، وإنما هم أعضاء الكنسيت الإسرائيلي وأعضاء من الحكومة الإسرائيلية.
لقد تقدم في الأيام الماضية عشرة من أعضاء الكنيست مجموعة تضم (35) يهودياً ليدنسوا المسجد الأقصى وهم ينشدون أناشيد الحقد الذي يمتلئ بها تلموذهم وتزخر بها بروتوكولاتهم المسماة ( بروتوكولات حكماء صهيون ) .
دخلوا إلى مسرى الرسول وأولى القبلتين وثالث المسجدين الشريفين جهاراً نهاراً ، وعلى مسمع المصلين وأمام أبصارهم، ثم تقدم في اليوم التالي وزير الحرب السابق ووزير التجارة الحالي سفاح صبرا وشاتيلا أربيل شارون ليكرر نفس ما فعله أعضاء الكنيست هؤلاء وهو الخبيث الذي طالما نادى بالخلاص من المسلمين العرب سواء بالطرد أو الإبادة لتكون فلسطين خالصة لليهود، وهذا يعني أن مخطط هدم المسجد الأقصى وإقامة ما يسميه اليهود بهيكل سليمان مكانه قارب التنفيذ.
إن هذه المحاولات لتزيد من وضوح وبيان النفسية اليهودية وعدائها المتأصل للإسلام والمسلمين ولتبين أن كل دعوى للسلام معهم باطلة.
يدفعهم لنقض العهود ويدفعهم لنقض تلك المحاولات خلقهم الخبيث، فهم المشهورون بنقض العهود، ويدفعهم كذلك إلى نقضها عداوتهم الشديدة للإسلام والمسلمين: لتجدن أشد الناس عدواة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا [المائدة:82].
وإليكم معشر الإخوة البراهين تلو البراهين من واقع اليهود الحالي، فهذا وزير خارجيتهم يقول إثر الاعتداء الأخير على الأقصى يقول : "إن على الجميع عدم المضي في التوهم بأن علما آخر غير العلم الإسرائيلي قد يرفع فوق الحرم القدس الشريف"، ثم يستطرد قائلا : " إنه لا ضرورة بالنسبة للإسرائيليين للقيام بمظاهرات من أجل إثبات حقيقة كون القدس والحرم القدسي جـزءاً لا يتجزأ من دولة إسرائيل، وهذا رئيس وزارتهم يقول مؤخراً : " إن سيادة دولة إسرائيل على كل أجزاء القدس ومنها الحرم واقع قائم لا رجعة فيه ".
وهذا وزير صحهتم الحالي وأحد قادتهم العسكريين في الماضي يقول: " إن هناك ضرورة لضمان حق كل يهودي في الدخول إلى ساحة حرم المسجد الأقصى " ، وهذا مجرم آخر من أكابر مجرميهم يقول : "على المسلمين إعادة منطقة جبل البيت، وهو الاسم الذي يطلقونه على المسجد الأقصى إلى أيدي إسرائيل لإقامة مركز يهودي فيها "، وعبارة مركز يهودي هي عبارة مخففة، فالهدف هو هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم مكانه، إن هذه الاعتداءات الصهيونية على المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة ليست جديدة ولن تكون الأخيرة، إنها الحقيقة، إنها حلقة من مسلسل التآمر على المقدسات الإسلامية في فلسطين، والهدف من هذه الاعتداءات هو جس النبض واستكشاف ردود الفعل عربياً وإسلاميا على كافة المستويات في العالم الإسلامي، يريدون أن يروا هل ما يزال عند المسلمين حرص على مقدساتهم أم انغمسوا في لذاتهم وشهواتهم ونسوا قضاياهم؟ يريدون أن يعرفوا هل ينتبه المسلمون إلى ما يفعله اليهود بمسرى رسولهم أم حال أغلبهم كما قال الشاعر :
من يهن يسهل الهوان عليه مـا لجرح بميت إيـلام
ويريدون أن يعرفوا أفعالهم الشنيعة تلك هل هناك بواعث انتفاضة إسلامية عالمية ترد الحق إلى نصابه أم أن النكبات تلو النكبات على المسلمين أضعفتهم عن المطالبة بحقوقهم فضلا عن القتال والجهاد في سبيلها؟ وبحسب ردود الفعل ستكون الخطوة اليهودية القادمة .
إن إخواننا داخل القدس العزل من كل سلاح إلا سلاح الإيمان وأكرم به من سلاح لم يتركوا اليهود يعيثون فسادا [ وتدنيسا داخل مسجد القدس بالمصلين الذين يؤمونه للصلاة وانتهاء بالمارة وأهل المدينة المقدسة والمدن والقرى والمخيمات البعيدة ].
لقد تنادى الناس وعلى رأسهم الشباب المسلم وتصدوا بأجسادهم لليهود المعتدين المحميين بقوات الجيش والشرطة اليهودية، واشتبكوا معهم بالأيدي والعصي وقضبان الحديد وما وقعت أيديهم عليه من أدوات المقاومة ، وركزوا ضرباتهم على أعضاء الكنيست اليهودي، فأصيب بفضل الله أحدهم بإصابات خطيرة ، كما تعرض عضو آخر من أعضاء الكنيست لعدة لكمات من المدافعين المسلمين، وكان مؤذن المسجد قد نادى(حي على الجهاد) فهتفت الجماهير (نفدي المسجد الأقصى بأرواحنا)، فاشتبكت مجموعة منهم مع المهاجمين ، والتفـت مجموعات أخرى حول المسجد من الخارج ، واشتبكت مع الجنود الصهاينة، وتحدت جماهير المسلمين حصاراً فرضته قوات العدو على مدينتي الخليل والقدس، وانتفضت الجماهير في مخيم الأمعرى القريب من رام الله، وهاجم سكان القدس دوريات وجنود العدو وما يسمى بحرس الحدود بالحجارة والزجاجات الحارقة، وأصيب العديد من الشباب والفتيان واعتقل المئات من الشباب المسلم.
إن أحلام اليهود ومخططاتهم لهدم المسجد الأقصى وتحويله إلى هيكل ظهرت منذ احتلالهم للقدس عام 1967 م ، حيث عقد مؤتمر لحاخامات اليهود في القدس تحدث فيه وزير الأديان الصهيوني حينئذ فقال : " إن جبل البيت هو لنا بحكم الشراء لأن أبانا إبراهيم اشتراه، وبحكم الاحتلال لأن الجيش الإسرائيلي يحتل أورشليم الآن : لابـد أن نعيد الهيكل على جبل البيت.
ولقد جرت محاولات سابقـة لحرق الأقصى عام 1969م، وجرى اقتحام المسجد الأقصى وقتـل المصلين فيه عام 1982م وجرت محاولات لنسفه عام 1984، ولكن الله نجى مسجده من كيد الكائدين ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين [الأنفال:30].
ولقد أمعنوا في الحفر أسفل المسجد الأقصى بزعم التنقيب عن آثار الهيكل ولم يعثروا على شيء ، وقد تضاربت آراء علماء الآثار وحاخاماتهم حول مكان الهيكل، فالبعض يزعم أن الأقصى المبارك هو موقع الهيكل الصحيح وأن صخرة المعراج كانت حجر الأساس للهيكل الأول، ويطلق اليهود على حائط البراق نسبة إلى البراق التي ركبها النبي في إسرائه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى يطلق اليهود على هذا الحائط اسم (حائط المبكى) زاعمين أنه من بقايا الهيكل متجاهلين أن الهيكل الأول الذي بناه سليمان عليه السلام عام (1005 ق. م) قد هدمه بختصر في عهد الكلدانيين عام (587 ق.م) ، ومتجاهلين أيضا أن الهيكل الثاني الذي بناه هيرودس عام (018 ق.م) قد هدمه تيطس الروماني عام (70 م)، وأزال آثاره بالكامل هدريان عام (135م) .
فأي هيكل هذا الذي تزعم يهود أنها تبحث عنه وهذا التاريخ يشهد بكذبهم وافترائهم: وذلك إفكهم وما كانوا يفترون [الأحقاف:28]. |