أما بعد:
فقال الله تبارك وتعالى: ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين [العنكبوت:6].
هذا اليوم هو يوم المجاهدين الأفغان، نشاركهم بهجتهم وفرحتهم ونهنئهم ونهنئ أنفسنا وجميع المسلمين بهذا الظفر وهذا النصر الذي أحرزته قضيتهم، تلك القضية التي أشغلت المسلمين وأهمتهم أكثر من ثلاث عشرة سنة، التي لقيت منهم التأييد الكبير والتعاون والتكاتف خاصة في هذه البلاد مهبط الوحي ومركز الحرمين الشريفين وموئل الإيمان ومحرزه – فقد لقيت هذه القضية كغيرها من القضايا الإسلامية التأييد والدعم الواضح الكبير، ولقد كان لوعي إخواننا الأفغان وصبرهم وإصرارهم على القتال وشدة بأسهم في النزال أكبر الأثر في نجاح قضيتهم. والفضل أولا وأخيرا لله تبارك وتعالى الذي من على المسلمين بهذا النصر، وبرجوع اللاجئين إلى ديارهم وبقيام دولة الإسلام تحكم شريعة الله فيها.
اليوم يوم الدروس والعبر من هذا الظفر:
فأولا: هذا أول نصر نذوق طعمه نحن المسلمين في هذا العصر، نحن أبناء هذا الجيل الذي عشنا في عصر الهزائم، اعتدنا على الهزائم والنكسات، لم نذق طعم النصر أبدا حتى كاد اليأس والإحباط يستوليان على النفوس وحتى نسينا طعم النصر. فلقد شهدنا سقوط المسجد الأقصى وكيف؟ هكذا بالتقسيط في عام 48 بتاريخ النصارى، القدس في يد اليهود إخوان القردة والخنازير، وفي سنة 67 سقط النصف الثاني من القدس. وهذا الظفر الذي نعيش في أجوائه اليوم هو أول ظفر نذوق طعمه وإن كان طعما فيه شيء من المرارة، وإن كان ظفرا لم يسلم من بعض المنغصات والمكدرات، ولكنه على أية حال يعد من الانتصارات.
ثانيا: هذا الظفر إنما تحقق ببركة الجهاد ورفع راية الجهاد والتمسك بشعار الإسلام الذي رفع لواءه إخواننا المجاهدون الأفغان وصبروا عليه حتى آخر لحظة، هذه بركات الله أكبر، فانظروا إلى أي شيء انتهت الله أكبر، إلى الظفر، إلى سقوط أعتى دولة على وجه الأرض – الاتحاد السوفيتي – فلا شك أن جهاد الأفغان الإسلامي قد عجل بانهيار هذا الصنم الأحمر، ولما سقطت تلك الدولة، سقط ذنبها في كابول، وهذه عادة الأذناب، ماذا تفعل الأذناب إذا سقطت الرؤوس أو تخلت عنها؟
وفي هذا الظفر وهذا النصر الإسلامي المؤزر للجهاد والمجاهدين درس بليغ لأولئك الذين يريدون تحرير بلادهم المغتصبة بالمفاوضات. وهم مثخنون بالجراح يعرجون من كثرة الهزائم، منظمات الترقيع والتوقيع التي تريد تحرير فلسطين بالمفاوضات وتناضل ضد العدو المغتصب من الفنادق والقاعات. تلك المنظمات، منظمات العدل والخيانة، التي كادت من قريب أن تقطع اليد التي كانت تمدها بالعون والتأييد، التي تنكرت للإسلام والمسلمين وتركت أكثر من مليار مسلم وراءها ظهريا وشوهت قضيتهم الأولى، قضية المسجد الأقصى.
تلك المنظمات من أعجب العجب أنها وقفت ضد الجهاد الأفغاني مناصرة لذلك الصنم الأحمر – منظمات الغدر والخيانة يريدون أن يحرروا المسجد الأقصى باسم البعث الملحد وباسم القومية العفنة وباسم العلمانية الكافرة.
ولقد قالوا ذات يوم: إنهم لا يقاتلون باسم الدين، لا يريدون تحرير فلسطين والمسجد الأقصى باسم الدين، فليهنؤوا إذن بالهزائم تلو الهزائم والنكسات بعد النكسات.
أبشري بطول السلامة يا إسرائيل إن كان هؤلاء الذين يناضلون وهم الذين يريدون تحرير فلسطين، فهم لا يحاربون باسم الإسلام عدوا يحاربهم باسم التوراة وباسم أرض الميعاد وباسم إسرائيل – نبي الله يعقوب الذي هو منهم براء.
هذا درس لهؤلاء، أن الجهاد هو وحده الطريق، الطريق إلى الظفر، ولكِ الله يا فلسطين، لك الله يا مسجدنا الأقصى الأسير، إن موعدك ليس مع هؤلاء، إن موعدك مع أولئك المجاهدين الفلسطينيين الحقيقيين حينما ينبعثون ويرجعون إلى الله أكبر، سيحرروك بعون الله وحوله وقوته، ثم بعون المسلمين في أقصى الأرض، فهذه هي مهمتهم تحرير ثالث مسجد من اليهود الذين دنسوا حرمات ذلك المسجد حتى الثمالة.
ثالثا: إننا لنضع أيدينا على قلوبنا شفقة على هذا الظفر الذي حققه إخواننا الأفغان خشية أن يضيع، لأن الأعداء متربصون وقد عودنا هؤلاء الأعداء على سرقة الثمار والسطو على النتائج، فما لم ينالوه بقوة السلاح وما عجزوا عن نيله في ساحة القتال، فإنهم ينالونه بالمكر والخداع والمناورات السياسية. إنهم يستغلون مشاكلنا نحن المسلمين ونقاط الضعف فينا أسوأ استغلال ونحن في قمة فرحتنا بهذا الظفر، نرى الإذاعات الأجنبية يكشفون كل العيوب والنقائص حتى نظن أن هؤلاء المجاهدين سيأكل بعضهم بعضا، فتعال نلهج إلى ربنا بالدعاء، فإن الدعاء في الأيام المباركة، ويوم الجمعة منها، وفي المساجد المقدسة، ومسجد قباء وهذه المدينة منها، الدعاء في مثل ذلك هو من أعظم ما ندعم به إخواننا المجاهدين، فلنلهج بالدعاء إلى ربنا أن يلهم هؤلاء المجاهدين من أمرهم رشدا، اللهم ألهمهم من أمرهم رشدا وشد أزرهم ووحد كلمتهم وانزع الغل من صدورهم واجعلهم إخوانا تحت لواء الإسلام متفقين متكاتفين. |