.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

سر التوحيد وحقيقته (11)

843

التوحيد, فقه

الألوهية, الربوبية, الزكاة والصدقة

عبد العزيز بن عبد الفتاح قاري

المدينة المنورة

24/8/1409

قباء

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

علاقة الدعاء والاستغاثة والاستعانة بـ لا إله إلا الله , وأهمية ذلك – معنى الاستغاثة , وقِسماها- من كمال التوحيد العلم بأن النفع والضر كله بيد الله – حكم دعاء أصحاب القبور , وحكم من يفعل ذلك , والدليل عليه – الفرق بين مشركي اليوم ومشركي العرب قديماً – خطورة الشرك ولا نجاة إلا بالتوحيد الخالص – وجوب المبادرة إلى الصدقة لنجدة المسلمين المضطهدين والمكروبين – فضل الإنفاق في سبيل الله

الخطبة الأولى

أما بعد: ففي مجال بيان معنى لا إله إلا الله من المهم جدًا أن نعرف ثلاثة أمور لها أوثق الصلة بهذه الكلمة العظيمة، وهى الدعاء والاستغاثة والاستعانة هذه الأمور الثلاثة من المهم جدًا أن نعرفها، ونتعلم ما يتعلق بها لأن أسوأ انحراف عن لا إله إلا الله إنما وقع في هذه الأمور، إنما وقع من خلال هذه الأمور الدعاء معناه: الطلب والاستغاثة والاستعانة من أنواعه.

أما الاستغاثة فمعناها: طلب الغوث، والغوث معناها: رفع الشدة والاستعانة طلب العون ولا خلاف في أن الاستعانة بالمخلوق والاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه أن ذلك جائز شرعًا.

قال تعالى: فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه [القصص:15] وقال سبحانه:  وتعاونوا على البر والتقوى [المائدة:2].

وذلك مثل الاستنصار، هذه الاستغاثة وهذه الاستعانة بالمخلوق والاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه هي مثل الاستنصار بالمخلوق إذا كان يقدر على نصرته كقوله تعالى: وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر [الأنفال:72].

أما ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى فلا يُستغاث فيه إلا بالله وذلك كالغفران وكالهداية وكالرزق. قال تعالى: ومن يغفر الذنوب إلا الله [آل عمران:135].

وقال سبحانه لنبيه: إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء [القصص:56].

وقال جل من قائل: يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض [فاطر:3].

فما لا يقدر عليه إلا الله لا يُستغاث فيه إلا بالله عز وجل.

ولكن عليك أن تعلم أن الغياثة في الحقيقة هي بيد الله عز وجل كله بيده الله وما كان منه في يد المخلوق فإنما صار منه في يده بتسخير الله سبحانه وتعالى فمن كمال التوحيد أن تعلم أن المغيث على الحقيقة هو الله وحده هو غياث المستغيثين ومعين المستعينين ومجيب السائلين ويسمع دعاء الداعين هو سبحانه وتعالى هو المغيث على الحقيقة ومن كمال التوحيد أن يكون تعلق قلبك في سائر الأحوال بالله وحده.

ولكن إذا استعنت بمخلوق إذا استغثت بمخلوق إذا استنصرت بمخلوق فيما يقدر عليه. عليك أن تعلم أن الذي يقدر عليه المخلوق قادرًا على إعانتك أو نصرتك أو إغاثتك إنما الله وحده.

ومن كمال التوحيد أن تعلم أن النفع والضر كله بيد الله، فإن كان شي منه في يد مخلوق من المخلوقين فإنما صار في يده بإذن الله ولو شاء لسلبه إياه فلا يملك النفع والضر على الحقيقة إلا الله وحده، لا يمكن لأحد من المخلوقين أن يملك شيئًا من ذلك على سبيل الانفراد والاستقلال.

لو كان يمكن لأحد من المخلوقين أن يملك شيئًا من ذلك لكان سيدنا محمد أولى الخلق بذلك لعظم مكانته عند الله عز وجل لكنه وهو أكرم الخلق وهو سيد ولد آدم قال له ربنا تعالى:  ليس لك من الأمر شيء [آل عمران:128] وقال له ربنا عز وجل: إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء [القصص:56] وقال له ربنا عز وجل: قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًا [الأعراف:188].

والمسيح عيسى بن مريم عليه السلام جعله الله آية للعالمين في خلقته وفي طريقة إيجاده وبعثه نبيًا ورسولاً إلى بني إسرائيل وآتاه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، وأجرى على يديه من المعجزات؛ فأبرأ الأكمة والأبرص وأحيا الموتى بإذن الله، فافتتن به النصارى فعبدوه من دون الله وقالوا: هو الله. فماذا قال الله ردًا عليهم في عيسى عليه السلام: قل فمن يملك من الله شيئًا إن أراد أن يهلك المسيح بن مريم وأمه ومن في الأرض جميعًا ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير [المائدة:17].

من هذا نعلم أن أولئك العاكفين على القبور الذين ينادون الأموات يستغيثون بهم ويدعونهم ويسألونهم لقضاء حاجاتهم وكشف كرباتهم ومصيباتهم ونصرهم على خصومهم وأعدائهم، أولئك الذين فعلوا ذلك لم يبقوا شيئًا من معنى لا إله إلا الله.

لأنهم صرفوا الدعاء بأنواعه من استعانة واستغاثة واستنصار- والدعاء مخ العبادة - صرفوا ذلك الدعاء لغير الله، صرفوه للمخلوقين، صرفوه لمخلوقين لا يملكون من أمرهم شيئًا، مخلوقين لا يقدرون على نفعهم ولا على الاستجابة لهم لأنهم ماتوا وأفضوا إلى ربهم عز وجل، وهؤلاء الذين يدعون الأموات ما دعوهم ولا استغاثوا بهم ولا استجاروا بهم ولا استعانوا بهم ولا استنصروهم، ما قائل قائلهم: أدركني يا فلان ولا قائل قائلهم: أغثني يا فلان وأعني يا فلاني وانصرني يا فلان. ما قالوا ذلك إلا وهم يعتقدون في قرارة قلوبهم أنهم يملكون لهم نفعًا أو ضرًا، أنهم ينفعونهم أو يضرونهم ومن فعل ذلك معتقدًا ذلك الاعتقاد فقد خرج من ملة لا إله إلا الله لأنه لم يبق أي شيء من معنى لا إله إلا الله. ألغى معناها، مسح معناها لم يبقى له شيء من معنى لا إله إلا الله، ولا إله إلا الله كلمة عظيمة لها مدلول عظيم نحن مكلفون بمدلولها ومعناها إنها ليست كلمة جوفاء، ليست لفظة خاوية لا مدلول لها ولا معنى.

قد يقول قائل ما الفرق بين هؤلاء وبين أولئك العرب المشركون الذين بُعث فيهم سيدنا محمد أولئك العرب المشركون الذين دعوا اللات والعزى ومناة وهبل لا فرق بينهم وبين هؤلاء الذين عكفوا على القبور ودعوا الأموات.

هؤلاء عبدوا الأموات وأولئك المشركون العرب عبدوا الأصنام، فإذا قال قائل: ولكن هؤلاء مسلمون في الأصل انحرفوا عن التوحيد بسبب الجهل، نقول: وأولئك المشركون العرب كانوا على ملة التوحيد في الأصل على ملة إبراهيم الحنيفية ثم انحرفوا عن ملة التوحيد ملة إبراهيم بسبب الجهل، والدليل على ذلك أنه بقى بقايا قلائل من العرب على ملة إبراهيم كانوا على ملة التوحيد كورقة بن نوفل، فإن قال قائل: ولكن هؤلاء المسلمين في الظاهر الذين عكفوا على القبور واستغاثوا بسكانها ودعوهم من دون الله لا يعتقدون أن أولئك الأموات المدعوين آلهة من دون الله، إنما يعتقدون أنهم مخلوقون، لكن لهم مكانة رفيعة عند الله لكنهم يستشفعون بهم وبمكانتهم ويتقربون بهم وبمكانتهم إلى الله عز وجل نقول إن المشركين العرب الذين بُعث إليهم سيدنا محمد كانوا يعتقدون نفس هذا الاعتقاد لم يكن المشركون من العرب الذين عبدوا اللات والعزى ومناة وهبل يعتقدون أن هذه الأصنام آلهة من دون الله ولكنهم كانوا يقولون: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى فيا أيها المؤمن الموحد احذر من وساوس الشياطين وزخارف طواغيت المشركين حافظ على إيمانك. احرص على نقاء إيمانك وصفاء عقيدتك وسلامة توحيدك الذي به تنجو، يوم لا يُغفر للمشركين وأعلم أن من أعظم الخطر على الإيمان أن تكون مؤمنًا ولكنك تخلط إيمانك بالشرك هذا من أعظم الخطر وأشده عليك يا مؤمن.

قال الله عز وجل: وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون [يوسف:106].

واعلم أنك لا تنجو بين يدي الله إلا بالتوحيد الخالص يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

       


 

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد. فقد ذكرنا أخ كريم في الجمعة الماضية، ومن فوق هذا المنبر ذكرنا بأن لنا أخوة في الدين هم في أمس الحاجة إلى عوننا وإلى نجدتنا وإلى إغاثتنا ونحن نقدر على ذلك إن شاء الله، هم في أمس الحاجة إلينا وقد طحنتهم عوادي الحروب وأهلكتهم كوارث المجاعات، وكثير من هجم عليهم أهل العدوان والطغيان من أمة الكفران من نصارى وشيوعيين ومجوس وغيرهم يريدون أن يبيدوا إخوانكم في الدين أو يفتنوهم عن دينهم ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون يا أخي المسلم وقد أنعم الله عليك أنت في هذه البلاد أنعم الله عليك بنعم شتى يا من أنعم عليكم ووسع عليك وسترك إن كنت آمنًا في سربك فتذكر أن لك إخوانًا في الدين في أنحاء الأرض قد فقدوا الأمن والسلام وإن كنت شبعان ريان في بيتك فتذكر أن لك إخوانًا في الدين قد أهلكهم الجوع والظمأ وإن بت بين أهلك كاسيًا ترفل في أثواب النعيم فتذكر أن لك إخوانًا في الدين عُراة لا يجدون ما يسترون به عوراتهم، لا يجدون ما يحتمون به من القر والحر، فيا أخي المسلم يا من أنعم الله عليه بادر وقد أظلك شهر رمضان الكريم، أظلك الشهر الكريم بظله، وهبت عليك نفحاته وعبقت عليك نسماته وفاح بيننا أريجه بادر أيها الأخ المسلم إلى الإنفاق والصدق، ابحث عن المحتاجين في كل مكان عن المكروبين عن المهمومين عن المغمومين ابحث عنهم في كل مكان ابحث عنهم في المدينة النبوية أولاً وقبل كل شيء، إخوان لك في الدين وجيران لك في هذه المدينة النبوية الطيبة هم في أشد الحاجة والفاقة في كرب وفي هم وفي غم فأسهم يا مسلم في كشف كربهم وفي تنفيث همهم وكربهم، وسد حاجتهم، هذا واجب عليك أن تسهم بقدر ما تستطيع في كشف كربات المكروبين، وكشف هم المهمومين ورفع غم المغمومين وسد حاجة المحتاجين.

ثم إخوانك في الدين إخوانك في الإسلام في سائر أنحاء المعمورة المحتاجون المكروبون أسهم بقدر ما تستطيع في كشف كربهم ورفع همهم وغمهم وسد حاجتهم، وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر [الأنفال:72]، ولا تحقرن يا مسلم شيئًا من المعروف ولا قليلاً من العون والصدقة تقدمه، من كان لا يملك إلا تمرتين فليتصدق بتمرة ومن كان لا يملك إلا تمرة واحدة فليتصدق بشقها فقد حث سيدنا رسول الله على الإنفاق والصدقة ولو بشق تمرة[1]، وتفكروا أيها المسلمون لو أن كل مسلم في سائر أنحاء المعمورة امتثل أمر النبي وتصدق بقدر ما يستطيع بقدر طاقته لو أن كل مسلم تصدق بريال سعودي واحد أو ما يعادله كم يجتمع للمحتاجين كم يجتمع للمكروبين كم يجتمع للمسلمين، يجتمع أكثر من ألف مليون ريال.

لو امتثلنا لأمر محمد فكيف إذا أخذت الأريحية كل مسلم فتصدق بأكثر من ذلك وأنفق مما يحب امتثالاً واستبشارًا بقول الرب عز وجل: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون   [آل عمران:92].

واعلموا أيها المسلمون أن أبواب الجنة كثيرة، الطرق إلى الجنة كثيرة ومن أعظم هذه الطرق الإنفاق والصدقة، هذا طريق عظيم من طرق الجنة ينافس طريق العبادة، طريق الصلاة والصيام، ينافس الإكثار من العبادة.

عن أبي هريرة رضى الله عنه أن امرأة ذُكرت للنبي وأنها قليلة الصيام قليلة الصلاة (من النوافل) ولكنها تتصدق بقطع من الأقط حيث ما تيسر لها ولا تؤذي جيرانها، قال سيدنا محمد : ((هي من أهل الجنة))[2].

واعلموا أن النبي - فيما روي عنه بإسناد حسن- قال: ((ما آمن بي من بات شبعان ريان وجاره جائع وهو يعلم بذلك)).

أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.

وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار واعلموا أن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة وإن كنا قلة على ذلك. يا ابن آدم أحبب ما شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تُدان ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله في كتابه المبين فقال جل من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا [الأحزاب:56]. وقال : ((من صلى على واحدة صلى الله عليه بها عشرًا))[3]. اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علىّ وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين والتابعين بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وجودك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

 



[1] صحيح البخاري (1417)، صحيح مسلم (1016) عن عدي بن حاتم رضي الله عنه.

[2] مسند أحمد (2/440) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

[3] صحيح مسلم (408) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً