أما بعد: فقد أطلنا الكلام على مسألة اليهود، على موضوع اليهود، ولا زلنا في هذا الموضوع وذلك لأن الحرب بيننا نحن المسلمين في هذا العصر وبين هذا العدو الماكر مريرة ومستمرة ليس على الصعيد العسكري فقط حول المسجد الأقصى ولكن على كل الأصعدة، على الصعيد الفكري والثقافي والنفسي والإعلامي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، إنها حرب شاملة وكل فرد منا قد وقع تحت نير وطأة هذه الحرب شعر بذلك أم لم يشعر، هذه الحرب الشاملة لها وجهان: وجه ظاهر معلن يتمثل في ذلك الاحتلال العسكري البغيض لأولى القبلتين للمسجد الأقصى وفي ذلك التهديد العسكري المستمر لديار المسلمين بالهجوم والاحتلال، هذا هو الوجه الظاهر المعلن وهناك وجه آخر خفى أخبث وأخطر إنه ذلك الغزو الناعم الذي تسلل إلى عقولنا وأفكارنا وحياتنا وبيوتنا ومجتمعاتنا باسم المدنية حينًا وباسم الحداثة والتحديث حينًا وباسم العصرنة والعصرية حينًا، وغالبًا ما نمهد لهذا الغزو الناعم بأيدينا بأنفسنا لأننا في زعمنا وفي توهمنا إنما نريد التحديث والتطوير ولكن في الحقيقة ما نفعله هو أننا نخرب بيوتنا بأيدينا.
هذا الغزو الناعم الذي تسلل إلينا له عملاؤه وأذنابه الذين يحملونه على أكتافهم، قوم من أبناء جلدتنا ويتكلمون بألستنا لكنهم باعوا دينهم وباعوا نفوسهم للشيطان ورضوا بأن يكونوا مطايا لليهود، أتريدون أن تعرفوهم أتريدون أن تروهم، إن الأقنعة الزائفة التي يغطون بها وجوههم لم تستطع أن تخفي حقائقهم البشعة أنهم قوم خانوا الله ورسوله والمؤمنين.
هذه ألسنتهم وهذه أقلامهم وهذه أفعالهم وهذه مؤسساتهم وهذه مشاريعهم تكشفهم وتفضحهم كل همهم وهدفهم ومقصدهم أن يلحقوا الهزيمة بنا نحن المسلمين.
أن يلحقوا بنا الهزيمة الفكرية، الهزيمة النفسية، الهزيمة الأخلاقية، نحن المسلمين، وخاصة في هذا البلد الأمين الذي فيه الحرمان وفيه المسجدان وبلغت مكائد اليهود ومخططاتهم قمتها في مؤتمراتهم التي عقدوها في مدينة بال بسويسرا قبل تسعين سنة.
قرروا في مؤامراتهم تلك أن يسيطروا على العالم بوسيلتين بالسيطرة على المصارف المالية وبنشر الإباحية في العالم، وها هم فعلاً بعد تسعين سنة يسيطرون على معظم الدوائر المالية الإقتصادية في العالم وينشرون الإباحية بواسطة وسائل الإعلام الخطيرة الفعالة السريعة المؤثرة ليدمروا الأخلاق العامة للأمميين للبشر سواهم لأن اليهود يعلمون علم اليقين أن أي أمة ظلت متمسكة بدينها وبأخلاقها وباستقلالها فلم تنجح مخططاتهم فيها ستبقى تلك الأمة قلقة صامدة في وجوههم وشوكة صامدة في حلوقهم، لقد وصف الله تبارك وتعالى في كتابه مثل هذا المكر العجيب الغريب بقوله: وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال [إبراهيم: 46].
لكن هذا المكر والدهاء العجيبين الرهيبين يصبح مكر اليهود العجيب الرهيب هزيلاً ضعيفًا متلاشيًا أمام مكر الله عز وجل وتدبيره وهو سبحانه يدافع عن الذين آمنوا فأهل الإيمان وجند معسكر الإيمان لا يبالون بمكر أهل الدنيا جميعًا، لا بمكر يهودها ولا بمكر مجوسها ولا بمكر الشياطين أجمعين، فالله تعالى يدافع عن الذين آمنوا إذا آمنوا أما الذين لم يؤمنوا فليس لهم في ذلك نصير.
فعلينا نحن أهل الإيمان أن نتذكر ذلك وأن نعلم الحقائق التالية ونحفظها ونحافظ عليها أولاً: إن العداوة بيننا - نحن أهل الإيمان وبين اليهود - مبدأ ثابت لا يتغير ولا يزول كما قرره كتابنا وأخبرنا به ربنا عز وجل ولذلك فالحرب بيننا وبينهم مستمرة منذ بعثة سيدنا محمد إلى أن تقوم القيامة، فإذا حاول بعض أذنابهم وعملائهم من أبناء جلدتنا أن يقنعونا نحن المسلمين بإمكان أن تحل المحبة محل العداوة وأن يحل السلام محل الحرب فيما بيننا وبين اليهود فإنها شنشنة نعرفها.
كيف والله عز وجل يقول: ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم [البقرة: 120].
ويقول عز وجل: لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا [المائدة: 82].
الحقيقة الثانية: أن الوسيلة الوحيدة التي نستطيع بها أن ندافع مكر اليهود وأن نرد مكرهم في نحورهم وأن نوقف غزوهم ونكف شرهم عنا وعن البشرية جميعًا الوسيلة الوحيدة هو الجهاد، والجهاد مراتب أولها مجاهدة النفس وأعلاها القتال في سبيل الله، فأهم مراتب الجهاد أول مراتب الجهاد أن ننتصر على أنفسنا على شهواتنا على أهوائنا. أن يكون رضي الله عز وجل مقدماً عندنا على رضى غيره فإذا رضي عنا دافع عنا ومن يدافع عنه رب العالمين فمن ذا الذي يقوى على مقاومته.
بداية الجهاد يا بني الإسلام وأول مرحلة فيه أن تقفوا أمام هذا الغزو الناعم الذي تسلل إلى عقولنا وأفكارنا ونفوسنا ومجتمعاتنا وأعلامنا وتجارتنا تسلل إلى حياتنا كلها، أن نتكاتف جميعًا على إفشال هذا الغزو الناعم وإبطاله تقولون كيف ذلك، كيف السبيل إلى ذلك؟
ابدأ بنفسك أولاً وقبل كل شيء لا تكون مثل الذي قعد ليله ونهاره يفكر ويخطط كيف ينتصر المسلمون على أعدائهم، كيف يتغلب المسلمون على اليهود كيف ينتصر المسلمون على اليهود بينما هو نفسه مهزوم مقهور مهزوم أما اليهود في نفسه وفي بيته وفي تجارته وفي حياته كلها.
ابدأ بنفسك أيها المسلم إذا انتصرت على اليهود في نفسك وفي بيتك وفي تجارتك وفي فكرك وعقلك وفي عاداتك وفي أسرتك وفي حياتك كلها، إذا انتصرت على اليهود على أعداء الله على الكافرين جميعًا في نفسك وفي بيتك وفي حياتك واعتصمت بالله عز وجل فقد انتصر المسلمون.
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم: يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقًا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين وكيف تكفرون وأنتم تُتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم [آل عمران:100-101].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|