أما بعد ... فاليهود أمة القردة والخنازير مصدر الشر والفساد والحروب والفتن، العداوة بيننا وبينهم دينية، والحرب بيننا وبينهم عقيدية، ولذلك فهم يتوارثون الحقد علينا نحن المسلمين، ولا يضعون راية الحرب ضدنا أبدًا، إنها حرب بين الحق والباطل، والإيمان والكفر، حرب بين حق الأمة الإسلامية وباطل الأمة اليهودية، بين إيمان الأمة الإسلامية وكفر الأمة اليهودية، إنهم يتوارثون الحقد على إيماننا وعلى إسلامنا ولا يكفون أبدًا عن إذكاء نيران الحرب والمكائد ضدنا نحن المسلمين، كلما انطفأت نار معركة أشعلوا غيرها، فلسان الحال بيننا وبينهم في الحقيقة كما قال الشاعر:
ليس بيني وبين قيس عتاب غير طعن القلى وضرب الرقاب
إنهم يحاربوننا باسم الدين، يحاربوننا باسم التوراة، وقد سموا دولتهم إسرائيل، وإسرائيل اسم نبي من أنبياء الله، فهو يعقوب بن إبراهيم الخليل عليهما السلام، وهم يجمعون شتاتهم من سائر أنحاء العالم، يجمعونهم في الأرض التي بارك الله فيها، حول المسجد الأقصى، يجمعونهم باسم التوراة. حتى المدن والأقاليم في فلسطين أطلقوا عليها أسماء دينية توراتية. فساسة اليهود وزعماؤهم وإن كان أكثرهم علمانيين لا يقيمون للدين وزنًا إلا أنهم يعلمون تمام العلم أن قضيتهم لا يمكن أن تنجح أبدًا إلا إذا أعلنوها باسم الدين، إلا إذا أعلنوها باسم التوراة، فهل نقاتلهم نحن باسم الأرض والتراب، هل نقاتلهم باسم الجبال والحفر والبيارات، هل نقاتلهم باسم بيارات الزيتون والبرتقال والبطيخ.
أي منطق هزيل هذا يمكن أن يقف أمام منطق أمة ترفع راية التوراة والدين في وجهنا، ماذا صنعت الوطنية والقومية منذ أربعين سنة، ماذا صنعت في مواجهة الأمة اليهودية، لقد هُزمت الوطنية الترابية والقومية العنصرية، هُزمت شر هزيمة أمام القردة والخنازير بل أصبحت الهزائم المتكررة المتتالية منذ أربعين سنة من أهم خصائص الوطنية الترابية والقومية العنصرية ومن أهم سمات أولئك الذين لا يزالون يقاتلون باسم بيارات الزيتون والبرتقال والبطيخ، أنهم في التيه منذ أربعين سنة، أصحاب الوطنية الترابية والقومية العنصرية من العرب والمسلمين لا يزالون في التيه منذ أربعين سنة يأبون العودة إلى دينهم وإلى إسلامهم، يرفضون أن تكون المعركة بينهم وبين أمة التوراة أمة إسرائيل معركة إسلامية، اليهود يفرون إلى دينهم، يبحثون فيه عن أسباب الاجتماع والقوة والظفر وهؤلاء يفرون من دينهم من إسلامهم، يشغلون أنفسهم وأمتهم.
يلهون أمتهم وشعوبهم بالشعارات الزائفة التي لا طائل من ورائها، ولن تقوى أبدًا على مواجهة اليهود الذين يرفعون رايات التوراة وإسرائيل، الحرب بيننا وبين اليهود في الحقيقة حرب دينية، لن يديرها على الحقيقة إلا الإسلام، الإسلام الذي أصدر أمرًا صريحًا لا عودة فيه ونصه: قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون [التوبة:29].
هذا أمر إلهي، أمر عسكري سياسي، أمر ديني ولكنه ليس موجهًا إلى أولئك الذين لا يزالون يقاتلون باسم بيارات الزيتون والبرتقال والبطيخ، إنه أمر إلهي موجه إلى أمة الجهاد، إلى الأمة الإسلامية، إلى المسلمين، إلى الأمة الإسلامية التي فرضت على نفسها حياة الجهاد كاملة، فالجهاد حياة كاملة، لكن الأمة الإسلامية اليوم أكثر شبابها مشغول باللهو واللعب والعبث وأكثر رجالاتها مشغولون بالتجارات والجري وراء المكاسب وراء المغانم والمصالح والجري وراء أذناب البقر، ولذلك فهم وحالتهم هذه لا يستطيعون تنفيذ ذلك الأمر الإلهي، لا يستطيعون القتال لأنهم لم يحيوا حياة الجهاد الكاملة.
لما سقط المسجد الأقصى قبل بضع مئات من السنين سقط في أيدي الصليبيين أيام ذلك المجاهد والملك الصالح صلاح الدين الأيوبي، أقسم صلاح الدين ألا يقرب الطيب والنساء حتى يستنقذ القبلة الأولى وأبر الله قسمه فحرر صلاح الدين الأيوبي السلطان المجاهد والملك الصالح حرر بيت المقدس في بضع سنين أنقذ الله بيت المقدس على يديه، وعلى يد جيشه المجاهد لمّا علم صلاحه وصدق نيته في الجهاد، فقد رفع صلاح الدين الأيوبي راية الجهاد الإسلامي في سبيل الله فاستنقذ بيت المقدس تحت ظل هذه الراية المباركة، أما نحن الأمة الإسلامية اليوم فإن معظم أعمالنا تفنى في اللهو واللعب والتجارات والمكاسب والمغانم والجري وراء أذناب البقر وها نحن ننتظر ومع هذا فنحن ننتظر النصر من الله، والنصر لا يأتي، ها نحن ننتظره منذ أربعين سنة، وهو لا يأتي كأن النصر حظوظ مرتجلة وليس سننًا إلهية لا تتبدل، النصر له سنن إلهية لا تتبدل، لا يُمنح لأمة معظم أعمارها يفنى في اللهو واللعب والتجارات، والجري وراء أذناب البقر.
ولما بلغ بنا الإعياء والتقاعس عن رفع راية الجهاد ومبلغه تجرأ خفافيش النفاق ممن في قلبه مرض في هذه الأمة برفع أصواتهم يبشروننا بالصلح والسلام مع القردة والخنازير، كأن اليهود يمكن في يوم من الأيام أن يضعوا راية الحرب ضدنا أو يطفئوا نار مكائدهم ودسائسهم ضدنا، اليهود حاربوا أكرم خلق الله وأفضل أنبيائه ورسله، حاربوا سيدنا محمداً حتى آخر لحظة وهم يعلمون علم اليقين أنه خاتم النبيين الذي بشرت به التوراة والإنجيل ويعلمون علم اليقين أن الله ناصره ومؤيده ومظهره عليهم وعلى غيرهم من الكفرة والمشركين ومع ذلك حاربوه حتى آخر لحظة حاربوه وخانوه وغدروا به وتآمروا على قتله حتى آخر لحظة، ولم يضعوا راية الحرب ضده أبدًا.
وهو أكرم خلق الله وأفضل أنبيائه ورسله ويعلمون صفته كما يعرفون أبناءهم حتى في أحلك الأوقات وأشدها حلكًا في غزوة الخندق وجيوش الأحزاب من غطفان تحيط بهذه المدينة النبوية وهدفهم الإبادة هدفهم قتل سيدنا رسول الله وقتل أصحابه أجمعين، في هذه اللحظات العصيبة الحرجة وقد بلغت قلوب الصحابة الحناجر، نقض يهود قريظة العهود التي أبرموها مع الرسول وتحرشوا مع المسلمين ومما زاد في خطورتهم أنهم يسكنون داخل المدينة النبوية، فكان خطرهم على النساء والصبيان والذرية وعلى الأموال شديدًا، وكان بإمكان يهود بني قريظة أن يفجروا جبهة المسلمين من داخلها في أحلك الأوقات والمسلمون محاصرون من كل جانب بجيوش الأحزاب، لولا أن الله عز وجل لطف بأوليائه ورحمهم فأبطل كيد اليهود وكيد الأحزاب أنزل ملائكته فألقوا الرعب في قلوب الأحزاب وانهزمت جيوش الأحزاب وانسحبت فجأة فبقيت يهود بني قريظة بغير دعم ولا سند.
ولما وضعت معركة الأحزاب معركة الخندق أوزارها ورجع جيش المسلمين إلى المدينة، رجع رسول الله إلى بيته ووضع ثيابه ونزع ملابس الحرب عن جسده الشريف، واغتسل من عناء المعركة ووعثائها فإذا بجبريل عليه السلام على الباب يقول يا رسول الله وضعت السلاح، والله لم تضع الملائكة السلاح، اخرج إليهم وأشار إلى يهود بني قريظة فنادى منادي رسول الله نادى في جيش الجهاد ألا لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة وهب المسلمون وذهب رسول الله بجيش نبوي من المؤمنين المجاهدين قوامه ثلاثة آلاف مجاهد ونزل على حصون بني قريظة فحاصرهم، حاصرهم بضعًا وعشرين ليلة، حتى رضي يهود بني قريظة أخيرًا عن حكم سعد بن معاذ الأوسي الأنصاري رضي الله عنه، لم يرضوا أن ينزلوا على حكم رسول الله خوفًا من العاقبة ورضوا أن ينزلوا على حكم سعد بن معاذ الأوسي الأنصاري لأن الأوس كانت حلفاء بني قريظة قبل الإسلام فطمعوا في رأفة سعد بن معاذ الأوسي الأنصاري وشفقته عليهم إذ كان من الأوس حلفائهم قبل الإسلام، وجيء بسعد بن معاذ الأوسي جريحًا بسهم أصابه من غزوة الخندق جيء به بين يدي رسول الله فحكم على يهود بني قريظة بقتل الرجال وسبي والنساء الذرية وتقسيم أموالهم بين المجاهدين من أصحاب رسول الله فكبر سيدنا رسول الله وقال: ((لقد حكمت فيهم يا سعد بحكم الله من فوق سبعة أرقعة)).
نعم هذا هو حكم الله من فوق سبع سماواته هذا حكمه في اليهود أهل الخيانة والغدر وأهل الشر والفساد والإفساد، أهل الخيانة والغدر حتى مع أكرم خلق الله وخاتم أنبيائه ورسله.
فيا ترى هل يترك اليهود أهل الغدر والخيانة والحرب والفساد هل يتركون طبائعهم فيسالموننا وينصحون لنا نحن أمة الكسل نحن أمة القعود نحن أمة اللهو واللعب والتجارات والجري وراء أذناب البقر؟.
أم هل ينهزم اليهود ويستسلمون لأولئك الذين مازالوا يقاتلون في سبيل التراب والجبال والحفر ويرفعون رايات الزيتون والبرتقال والبطيخ؟.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ولله ما في السموات وما في الأرض ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإن تكفروا فإن لله ما في السموات وما في الأرض وكان الله غنيًا حميدًا ولله ما في السموات وما في الأرض وكفى بالله وكيلاً إن يشأ يذهبكم أيها الناس ويأتِ بآخرين وكان الله على ذلك قديرًا [النساء:131-132].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.