أما بعد:
أوصيكم ونفسي بالتقوى، فإنها هي الوصية العظمى، وتمسكوا بكتاب ربكم وسنة نبيكم، فإن التمسك بهما هو العروة الوثقى، واحذروا الذنوب ولا تجترئوا على علام الغيوب، وقد خاب من حمل ظلماً، ومروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، ما دمتم في زمن الإمهال سلماً، وإلا فإقرار المنكرات سبب لخراب الديار العامرات، وقد تحققتم ذلك علماً، ولقد ورد عن نبيكم أنه قال: ((إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه)).
وفي صحيح البخاري – رحمه الله – قيل: يا رسول الله! – أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم، إذا كثر الخبث))، وفيه أيضاً عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: ((استيقظ رسول الله ليلة فزعاً مذعوراً يقول: سبحانه، ماذا أنزل الليلة من الخزائن؟ وماذا أنزل من الفتن؟ ومن يوقظ صواحب الحجرات – يريد أزواجه – لكي يصلين؟ رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)).
أيها المسلمون: تضمن هذا الحديث الصحيح تحذيركم من فتنتين عظمتين أشار النبي إلى أولاهما بقوله: ((ماذا أنزل الليلة من الخزائن؟)). يعني: فتن الدنيا، وأشار إلى الأخرى بقوله: ((رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)). يعني: فتنة النساء. ولقد جاء التصريح بهما والتحذير منهما في الحديث الذي رواه مسلم رحمه الله عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله قال: ((إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله تعالى مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون؛ فاتقوا الدنيا واتقوا النساء)).
وفي الصحيحين عنه أيضا عن النبي قال: ((إن مما أخاف عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها))، وفيهما أيضا عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبي قال: ((ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء)) وأخبر أن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء.
أيها المسلمون: إن المتأمل لأوضاع العالم الإسلامي في القرون المتأخرة يجد أن فساد أكثر مجتمعاته كان بهاتين الفتنتين، فتحت الدنيا عليهم أو على مترفيهم فطغت نساؤهم، وضعف أمامها المترفون منهم فخرجت للشوارع سافرة، ونزعت الحجاب متبرجة، وزاحمت الرجال في المكاتب والأسواق والمنتزهات جريئة غير مستحية ولا خجلة، فانفردت بغير محرمها مخاطرة بشرفها وعفتها، متجاهلة سوء عاقبة جريمتها؛ فعمّت الفتن، ووقعت المصائب، وعاجلتهم العقوبة، حيث اختل أمنهم، واشتهرت فضائحهم، وولى الله عليهم شرارهم وسفهاءهم، وسطلهم على خيارهم لقاء تركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعديهم حدود الله وانتهاكهم حرماته: وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون [سورة الأنعام:129]. فزال سلطان ذوي الدين والرأي منهم، وذهبت نعمتهم من بين أيديهم، وجعل الله بأسهم بينهم، وسلط عليهم عدوهم ،فاستباح حرماتهم، وأذل عزتهم، وأذهب كرامتهم، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
فاتعظوا – رحمكم الله – بمن مضى من القرون، واعتبروا بمن حولكم أيها السامعون، وأطيعوا الله ورسوله لعلكم ترحمون. أحلنا الله وإياكم دار الأمن والسلامة، وجنبنا وإياكم ما يوجب غضبه وانتقامه.
أيها المسلمون: إن ما حدث في الأمصار من فتنة النساء التي أزال الله عنهم بها النعماء، وأحل بهم أصناف الشقاء والبلاء، والتي كان مبتدؤها خروجهن من المنازل، ووقوعهن بأنواع المهازل، كانت قد سبقتها دعوات مغرضة أغرتهن بالخروج إلى الأسواق ومواطن الفساق، وزينت لهن السفور، وشككتهن في الحجاب من حيث الشرعية والجدوى ،وحثتهن على مزاحمة الرجال في الميادين، والأعمال، بواسطة الفكرة المصورة والقصة المزورة عبر الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة، والمنهج، والأستاذ ،ثم تبع ذلك تهيئة الأسباب وتوفير الوسائل وإتاحة الفرص، والتشكيك في صدق وسعة أفق من يعارض ذلك من الناصحين الذين يحثون على الاستفادة من تجارب السابقين، حتى نفذ المقدور، وتعسرت الأمور، وذاق أولئك ما في خروج النساء من بيوتهن، وخروجهن على أولياء أمورهن، وتعديهن لحدود خالقهن، من الشرور وذهاب السرور.
فاتقوا الله أيها المؤمنون، وخذوا حذركم، واعتبروا بغيركم، واتعظوا بمن سبقكم؛ فإن السعيد من وعظ بغيره، والتقي من وعظ بنفسه، فإنكم تعيشون الفتنة، وتجري لكم نفس المكيدة، وستواجهون – إن لم تحذروا وتتقوا وتستدركوا فتصلحوا – أخطر النتيجة وأعظم المصيبة.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يا أيها الذين ءامنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون [سورة الأنفال:24-26].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من لكل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
|