.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

في فضل الصدقة

108

الرقاق والأخلاق والآداب, فقه

الزكاة والصدقة, فضائل الأعمال

عبد الله بن صالح القصير

الرياض

جامع الأمير متعب

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- دعوة للمبادرة إلى العمل الصالح 2- فضيلة اليد المنفقة في سبيل الله 3- الله يُخلف للمنفق في ماله 4- الصدقة تدفع السوء في الدنيا والآخرة 5- الحث على الصدقة ولو بالقليل 6- الصدقة على الأرحام

الخطبة الأولى

 

أما بعد:

فيا أيها الناس: توبوا إلى الله قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم بكثرة ذكركم له، وكثرة الصدقة في السر والعلانية، ترزقوا وتنصروا وتجبروا، فهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم؟ فابتغوا بأموالكم الضعفاء والمساكين والمحتاجين، فارزقوهم ترزقوا، وارحموهم ترحموا، وتاجروا مع ربكم ببرهم والإحسان إليهم؛ فإنها تجارة لن تبور، فقد ذهب أهل الدثور أي الأموال من المؤمنين بالأجور والدرجات العلا والنعيم المقيم، يصلون ويصومون ويتصدقون بفضول أموالهم، وفي الصحيحين عن النبي قال: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها)) [1] ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ [الجمعة:4]. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى والرضوان والفردوس الأعلى .

أيها المسلمون: صح عن النبي أنه قال: ((اليد العليا خير من اليد السفلى)) [2]. العليا هي المنفقة، والسفلى هي السائلة، وقال : ((الأيدي ثلاثة : فيد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى، فأعط الفضل ولا تعجز عن نفسك)) [3]. وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا طيب فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه أي مهره- حتى تكون مثل الجبل)) [4].

وعند الإمام الشافعي بإسناد حسن عن أبي هريرة قال: سمعت أبا القاسم يقول: ((والذي نفسي بيده ما من عبد يتصدق بصدقة من كسب طيب - ولا يقبل الله إلا طيبًا ولا يصعد إلى السماء إلا طيب إلا كأنما يضعها في يد الرحمن فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه حتى إن اللقمة لتأتي يوم القيامة وإنها لمثل الجبل العظيم)). ثم قرأ: أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ ٱلصَّدَقَـٰتِ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ[5] [التوبة:104].

أيها المؤمنون: أنفقوا من مال الله الذي آتاكم وجعلكم مستخلفين فيه، لينظر كيف تعملون، فأنفقوا من طيبات ما كسبتم فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون، فلن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون، وما تنفقوا من خير فلأنفسكم، وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله، وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون، وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوٰلَهُمْ بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّا وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُم عِندَ رَبّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:274]. وقال: قُلْ إِنَّ رَبّى يَبْسُطُ ٱلرّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ [سبأ:39].

وفي صحيح مسلم رحمه الله عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((ما نقص مال من صدقة))[6]. وفيه أيضًا عن أبي أمامة قال: قال رسول الله : ((يا ابن آدم! إنك إن تبذل الفضل خير لك، وإن تمسكه شر لك، ولا تلام على كفاف)) [7]. وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله قال: ((قال الله تعالى: أنفق يا ابن آدم أنفق عليك)) [8].

عباد الله: ثبت في الصحيحين عن عدي بن حاتم أن النبي ذكر النار فتعوذ منها وأشاح بوجهه ثلاث مرات، ثم قال: ((اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة)) [9]. ففي هذا الحديث أن الصدقة تقي من النار ولو كانت تمرة واحدة أو بعض تمرة، أو كلمة طيبة إذا لم يجد الرجل أكثر منها.

وقد رويت آثار عن النبي في فضل الصدقة منها: إنها ((تطفيء الخطيئة كما يطفيء الماء النار)) [10]، ((وتسد سبعين بابًا من السوء)) [11]، ((وإن البلاء لا يتخطى الصدقة)) [12]، ((وإنها تزيد في العمر))، ((تمنع ميتة السوء)) [13] ((وإنها لتطفئ عن أهلها حر القبور)) [14].

وصح عنه قوله: ((كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة حتى يقضى بين الناس)) [15]. فكان أبو الخير رواي الحديث لا يخطئه يوم لا يتصدق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة، وروي عنه أنه قال: ((إن الصدقة لتطفئ غضب الرب)) [16]. وقال: ((إنها حجاب من النار لمن احتسبها يبتغي وجه الله عز وجل)) [17] وقال: ((تصدقوا فإن الصدقة فكاك من النار)) [18].

فتصدقوا أيها المؤمنون بما تجدون؛ فإن خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى نفس من المتصدق، ولو كان جهد مقل؛ قال : ((اتقوا النار ولو بشق تمرة)) [19]. وقال لامرأة من الأنصار سألته عن المسكين يقف ببابها لا تجد ما تعطيه: ((إن لم تجدي إلا ظلفـًا محرقـًا فادفعيه إليه في يده)) [20]. وفي الصحيحين قال : (( يا نساء المسلمين! لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة)) [21]. وفيهما أيضًا قال : ((ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب ثم لا يجد أحدًا يأخذها منه)) [22].

فبادروا بالصدقة قبل أن يحال بينكم وبينها، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَـٰكُمْ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ فَيَقُولُ رَبّ لَوْلا أَخَّرْتَنِى إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مّنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ % وَلَن يُؤَخّرَ ٱللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:10،11].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا جميعًا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.




[1]  أخرجه البخاري ح (73)، ومسلم ح (816).

[2]  أخرجه البخاري ح (1429)، ومسلم ح (1033).

[3]  صحيح، أخرجه أحمد (3/473)، وأبو داود ح (1649).

[4]  صحيح البخاري ح (1410)، صحيح مسلم (1014).

[5]  أخرجه أحمد [9423]، والحميدي [1154]، وابن خزيمة في التوحيد (1/193) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وصححه ابن حبان [3319].

[6]  صحيح مسلم ح (2588).

[7]  أخرجه مسلم في كتاب الزكاة [1036] من حديث أبي أمامة رضي الله عنه.

[8]  صحيح البخاري ح (4684)، صحيح مسلم ح (993).

[9]  صحيح البخاري ح (1417)، صحيح مسلم ح (1016).

[10]  صحيح، أخرجه أحمد (5/231) (3/399)، والترمذي ح (614) وقال: حسن غريب، وابن ماجه ح (3973).

[11]  أخرجه الطبراني في الكبير ح (4402). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/109): وفيه حماد بن شعيب وهو ضعيف.

[12]  عزاه السيوطي في الدر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة (رقم 153) إلى الطبراني في الأوسط، وضعفه المحقق، ولذا ذكره ابن الجوزي في الموضوعات (2/153)، وأخرجه أيضًا البيهقي في سننه (4/189) وغيرهم. وهو في ضعيف الجامع (2316)، ولفظه: ((باكروا بالصدقة فإن البلاء...)).

[13]  أخرجه أبو يعلى (             ) ولفظه: ((إن الصدقة وصلة الرحم يزيدان في العمر، ويدفع بهما ميتة السوء...)).

[14]  أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (17/286). قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/110): وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام.

[15]  صحيح، أخرجه أحمد (4/147 ـ 148)، وابن خزيمة ح (2431) وابن حبان ح (3310)، والحاكم (1/416) وقال: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وانظر: "تخريج أحاديث مشكلة الفقر" للألباني رقم (118).

[16] أخرجه الترمذي ح (664) وابن حبان (الإحسان ح 3309)، وفي سنده: عبد الله بن عيسى الخزاز البصري. قال الحافظ في التقريب (3548): ضعيف. وانظر ارواء الغليل (885).

[17] أخرجه الطبراني في الكبير (25/35 ـ 36) عن ميمونة بنت سعد خادمة النبي أنها قالت لرسول الله أفتنا في الصدقة. قال: إنها..." قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/111): وفيه من لم أعرفهم.

[18]  عزاه الألباني للطبراني في الأوسط، والأفراد للدارقطني. قال المناوي في فيض القدير: قال الهيثمي: رجاله ثقات ا.هـ وكأنه لم يصدر عن تحرير فقد قال الدارقطني: تفرد به الحارث بن عمير عن حميد، قال ابن الجوزي: قال ابن حبان: الحارث يروي عن الأثبات الموضوعات. اهـ. وانظر السلسلة الضعيفة للألباني رقم (1628).

[19]  تقدم تخريجه قريبًا.

[20]  صحيح، أخرجه أحمد (6/382)، وأبو داود ح (1667) والترمذي ح (665) وقال: حسن صحيح والنسائي ح (2574).

[21]  صحيح البخاري ح (2566)، وصحيح مسلم ح (1030).

[22]  صحيح البخاري ح (1414)، صحيح مسلم ح (1012).

الخطبة الثانية

 

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب العالمين، وإله الأولين والآخرين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي الأمين، والنذير المبين، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله حق التقوى، وكونوا ممن يؤتي ماله يتزكى، وكونوا سباقين إلى الخيرات وأفضل الصدقات، فإنه: ((من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء)) [1]. فمن سبق إلى الصدقة إذا دعي إليها، أو رأى السائل، كان له مثل أجر كل من تصدق بعده.

واعلموا أن أعظم الصدقة أجرًا أن تتصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان، واعلموا أن الله ليدخل بلقمة الخبز، وقبضة التمر، ومثلهما مما ينتفع به المسكين ثلاثة الجنة : رب البيت الآمر به، والزوجة تصلحه، والخادم الذي يناوله المسكين، فمن سألكم بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، فإن للسائل حقـًا ولو جاء على فرس، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله.

واعلموا أن أحق من تصدقتم عليهم أقاربكم الذين لا تلزمكم نفقاتهم؛ فإن الصدقة على ذي القرابة يضاعف أجرها مرتين؛ فإنها على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة، وهكذا النفقات يبدأ الإنسان أولاً بنفسه، ثم بمن يعول، قال : ((ابدأ بمن تعول: أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك)) [2].

ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

عباد الله! إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل:90].

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.



[1]  أخرجه مسلم ح (1017).

[2] صحيح، أخرجه أحمد (2/226)، والنسائي ح (2532).

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً