أمّا بعد: فيا أيها المسلمون، اتقوا الله؛ فإنَّ تقواه أفضلُ مُكتسَب، وطاعته أعلَى نسَب، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].
أيّها المسلمون، القُصورُ في فَهمِ مقاصِدِ الأمورِ يحملُ على فعل ما يقبُح وتركِ ما هو أليَقُ وأجملُ وألزَم، ومَن قصُر فَهمُه عن إدراكِ مقاصِدِ الإجازةِ وأهدافها مَلأها عبثًا وصخَبًا، وأشعلَها طَيشًا وسَفهًا، ومن أدرَكَ المُراد أنِفَ من خمولِ الضَّعَة ومهانة التّفريط، وحمل رايةَ الجِدّ، وقطعَ أسبابَ العجز، واستثمَر إجازتَه بادئًا وعائدًا فيما يُعليه ويُرقِّيه في أمر الدنيا والدين.
أيّها المسلمون، ولئلّا تكونَ الإجازة منبعًا للمعَار ومجمعًا للأخطارِ وطريقًا للمهالك والمضارِّ يتوجَّبُ تَذكيرُ كلِّ وليٍّ بأن يكون يقِظًا حذِرًا، مُتحفِّظًا مُحترِسًا، مُتنبِّهًا مُحترِزًا، قد حَصَّن أُسرتَه، وحمى عورتَه، وحرسَ شرفَه، وصانَ عِرضَه عن اللئام الفجَرة والخَونَة المكَرَة؛ فإنَّ لشياطين الإنس انتِشارًا وانبعاثًا وخطفَةً، وأخذةً في غفلة، وخَتلاً في سَهوة، وخِداعًا في خُفية.
وأَكثرُ الصّبيان والصّغار أغمارٌ أغرار، وأحداثٌ أطهار، لا فطنةَ لهم ولا تجربة، ولا تحوُّطَ لديهم ولا احترازًا، وفي الناس سِباعٌ عادية وذئابٌ ضارية وأجادلُ خاطفة، تنتظرُ غيابَ الوليِّ الحامي وغفلةَ الأبِ الحانِي؛ فكونوا -أيها الآباء والأمهات- في الإجازات وفي سائر الأوقات حُرَّاسًا أُمنَاء، وأولياء أوفيَاء، وفُطناء وحُكماء، وصونوا أبناءَكم وبناتكم عن العاديات المُوبِقة والأخطار المُحدِقة، واجتنِبوا التفريطَ والتشاغُل، وحاذِروا التقصير والتساهل الذي لا تُؤمَنُ لواحِقُه وتوابِعُه، وتوالِيه وعواقِبه؛ بَيدَ أن عاقبتَه بوار وخاتمتَه خَسار.
أيها المسلِمون، ومن ترك أهلَه وأولادَه ونساءَه وقِعادَه يقتحِمون الناسَ من غير تثبُّت، ويُخالِطون الآخرين دون تعقُّل، ويخرجون من البيوت دون تحفُّظ، ويمكثُون بعيدًا دونَ رقابةٍ، ويُصاحِبون مَن رغِبوا دون مُساءَلة؛ فقد قذَفهم في مُهلِكةٍ مُردِية، ورماهم في مدارجِ الانحراف والضياع.
أيّها الأولياء، حُوطوا أُسرَكم بسِياج الرعاية والعناية، والرّقابة والصيانة، والتربِية والتقويم، واكسُوها بِرِداء الحبِّ والحُنوِّ والشفَقة، والجُودِ والكرم والإحسانِ، واغمُروها بروح الفرح والمرَح، والقُرب والوُدِّ والحوار والجوار، واحفظوها بالطاعةِ والاستقامة والتقوى والإيمان؛ حتى لا تكون نهبًا لأهل الدنايا، وهدفًا لشرار الخلق، ومرتعًا للأراذِل الساقطين.
واللهُ سائلٌ كل عبدٍ عما استرعاه: أدَّى أم تعدَّى؟ فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله : ((إن الله سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاه: حفِظَ أم ضيَّع؟ حتى يسألَ الرجلَ عن أهل بيته)) أخرجه ابن حبان.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من البيِّنات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنبٍ وخطيئةٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
|