أما بعد: أيها الإخوة، فلقد تعرضت بلادنا المباركة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام إلى هجمة شرسة من كتيبة باغية مكونةٍ من سريتين عفنتين قواهما أربعُمائة وثمانٌ وسبعون رجلًا، إحدى سراياها من ثلاثٍ وعشرين جنسية، والسرية الأخرى من أبناء هذه البلاد العاقين، من الذين مسخت نفوسهم وانحطت طموحاتهم، وسفلت هممهم، فباعوا دينهم وأهلهم ووطنَهم بثمن بخس دراهم معدودة، وكانوا بِدِينهم ووطنهم وأهلهم وقِيَمِهم من الزاهدين.
وتفاصيل هذه الهجمة الشرسة كما تحدثت به المصادر المختصة:
أولًا: قوافل مظلمة أمت منافذَ هذا البلد المبارك الخارجية تحمل السمَ الأبيض الزعاف، وبفضل الله تعالى وتوفيقه ثم بجهودٍ مباركة من رجال الأمن والجمارك المخلصين تم إحباط عدة محاولات لتهريب موادٍ مخدرة تمثلت بما يلي: ما يقرب من ثمانيةِ ملايين حبة من مادة الأمفيتامين (الكبتاجون أو ما يسمى بالأبيض)، وما يقرب من أربعةِ أطنانٍ من الحشيش، وما يزيد على واحدٍ وخمسين طنًا من القات المخدر، وعلى ثلاثةَ عشرَ كيلو جرام وثلاثَمائة واثنين وتسعين جرامًا وثمانٍ وخمسين مليجرامًا من الهيروين الخام. وذكره بالملي جرام أكبر دليلٍ على خطره وأثره القاتل.
ثانيًا: ومع تلك الجهود المخلصة والإمكانات الفائقة للحيلولة دون التهريب ودحر المهربين تم ضبط ما يقرب من ثلاثةِ ملايين قرص من مادة الأمفيتامين (الكبتاجون أو ما يسمى بالأبيض)، وعلى تسعةَ عشرَ طنًا وأربعَمائة واثنين وثمانين كيلو من القات المخدر، وعلى خمسِ كيلوات وتسعٍ وسبعين جرامًا وخمسةٍ وتسعين مليجرامًا من الهيروين الخام. وتقدر قيمة عتاد هذه الهجمة بأكثر من مليارٍ وأربعِمائة مليون ريـال. كما ضبط بحوزة المروجين مائتا مليون وتسعة ملايين ريـال نقدًا تقريبًا! وسقط أربعةٌ من رجال الأمن قتلى نسأل الله تعالى أن يجعلهم من الشهداء.
أيها الأحبة، لي مع هذا الخبر عدة وقفات:
الأولى: تُشَنُّ على هذه البلادِ المباركة حرب عظمى، وما تضمنه هذا الخبر من تفصيلات هي جزء من هذه الحرب التي تعددت أساليبها وأدواتها، لكن هذه الحرب حرب سرية تسري في جسد الأمة في ظلمة الليل البهيم سريان النار بالهشيم. هي والله حرب الإبادة الصامتة، حرب التدمير الخفي، حرب لا يسمع فيها أزيز الطائرات، ولا دوي المدافع، ولا هدير الدبابات، ولا انفجار القنابل. إنها حرب الإبادة بالسموم البيضاء. إنها حرب المخدرات. ولن تتوقف هذه الهجمات على هذا الوطن الكريم حتى يُحَقِقَ صانعوها أهدافهم، ولكن الله تعالى لهم بالمرصاد والله من ورائهم محيط. ويجب علينا أن لا نحزن ولا نخاف ولا نيأس فإن الله الذي لا يخلف الميعاد قد قال في محكم التنزيل: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ.
قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: "هذا إخبار ووعد وبشارة من الله للذين آمنوا، أن الله يدفع عنهم كل مكروه، ويدفع عنهم كل شر بسبب إيمانهم من شر الكفار، وشر وسوسة الشيطان، وشرور أنفسهم، وسيئات أعمالهم، ويحمل عنهم عند نزول المكاره ما لا يتحملون، فيخفف عنهم غاية التخفيف. كل مؤمن له من هذه المدافعة والفضيلة بحسب إيمانه، فمستقل ومستكثر".
ونقول نحن: لن يبطلَ أمر الله مبطل، ولن يغلبه مغالب، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ. وقد اشتد أوار هذه الحرب وحمي وطيسها تأثرا بالوضع السياسي الإقليمي، خصوصا بعد إفلاس الدولة التي تشير التقارير المنشورة أنها وراء التسهيلات لتهريب هذه الكميات الضخمة من المخدرات من زعزعة أمننا.
الوقفة الثانية: إن هذا الخبر وما تضمنه من حقائق مخيفٌ ومفزع، وحرصت على سرد تفاصيله لنعلم مقدار الهجمة الشرسة على بلادنا، وهو من مقاصد الإعلان عنه من الجهات المختصة حتى ندرك المخاطر التي تواجهها أمتنا وبلادنا، وبهذا ندرك حجم المسئولية الملقاة علينا جميعًا لدرء هذا الشر الداهم والخطر المحدق ببلادنا، لذا يجب علينا رص الصفوف والوقوف صفًا واحدًا أمام تجار ومروجي المخدرات، وتقديم المعلومات عنهم إلى أجهزة الأمن المعنية بمكافحة المخدرات من أجل إنقاذ المجتمع بأسره من مخططات الدمار التي تحاك ضده. حقّ على كل واحد منا أن يغير ملابسه التي يرتدي، ويرتدي لباس الجندية في الحرب ضد الباطل والانحراف بأنواعه وأن نبلغ عن كل حالة، وأن نحمل من نعلمه ولنا فيه صلة إلى مستشفيات الأمل؛ دفاعًا عن هذا الوطن العزيز.
الوقفة الثالثة: حرب المخدرات قديمة، ويقف وراءها دول وعصابات كالدول من أعداء الإسلام والإنسانية وعباد المادة ورفقاء الشيطان. يروجون تجارة الموت في الأمة وينشرون هذا الوباء بين صفوف أجيال الشباب من أجل تدميره وتحويله إلى مجموعات من المدمنين والمرضى والعاطلين عن العمل حتى يصبح العنصر البشرى أداة هدم وإجرام وليس أداة بناء وتعمير، وهذا يؤدي إلى إلحاق الضرر الفادح بالاقتصاد الوطني والبنيان العائلي والاجتماعي والثقافي ويكون سببًا في الإخلال بالأمن والنظام العام، ونشر الجريمة بين صفوف المواطنين، وحجب أنظار الأجهزة الأمنية عن المشاكل الأمنية الحقيقية، وتوجيهها للانشغال في محاربة عصابات المخدرات من أجل استنزاف المجهود الأمني والقومي والاقتصادي، والقضاء على معتقدها، ويستَنْزفوا خيراتها ثم يستولوا على أراضيها ويدنسوا مقدساتها.
أيها الأحبة، ووقائع التاريخ تثبت أن سلاح المخدرات يوجه للأمم بهدف نخرها من الداخل، وتجريدها من أهم عناصر القوة فيها وهو الشباب القوي الواعي المنتمي لدينه ووطنه الغيور عليه، والحريص على مقدراته. وقديما أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو يتحدث عن حكم الحشيش ثم قال: "إِنَّ أَوَّلَ مَا بَلَغَنَا أَنَّهَا ظَهَرَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَوَاخِرِ الْمِائَةِ السَّادِسَةِ وَأَوَائِلِ السَّابِعَةِ حَيْثُ ظَهَرَتْ دَوْلَةُ التتر؛ وَكَانَ ظُهُورُهَا مَعَ ظُهُورِ سَيْفِ جنكيز خان لَمَّا أَظْهَرَ النَّاسُ مَا نَهَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَنْهُ مِنْ الذُّنُوبِ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْعَدُوَّ وَكَانَتْ هَذِهِ الْحَشِيشَةُ الْمَلْعُونَةُ مِنْ أَعْظَمِ الْمُنْكَرَاتِ... -إلى أن قال:- فَإِنَّهَا مَعَ أَنَّهَا تُسْكِرُ آكِلَهَا حَتَّى يَبْقَى مصطولا وتُورِثُ التَّخْنِيثَ والديوثة، وَتُفْسِدُ الْمِزَاجَ فَتَجْعَلُ الْكَبِيرَ كَالسَّفِيه، وَتُوجِبُ كَثْرَةَ الْأَكْلِ وَتُورِثُ الْجُنُونَ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ صَارَوا مَجْانين بِسَبَبِ أَكْلِهَا" [مجموع الفتاوى (34/205)].
وقبل أكثر من قرنين من الزمان قامت بريطانيا بشن حرب الأفيون الحشيش ضد الصين، وهي أقذر حروب التاريخ على الإطلاق، فقد استزرعت الأفيون في شمال الهند وقامت بإدخاله إلى الصين، وأدمن كثير من الشعب الصيني؛ فانزعجت الصين من الخطر الذي سببه تعاطي الأفيون الواسع على صحة المواطنين، وبات يهدد بتدمير المجتمع الصيني، حتى بلغ الأمر بالمتعاطي الصيني أن يقوم ببيع أرضه ومنْزله وزوجته وأولاده للحصول على الأفيون. وفي الأخير نجحت بريطانيا في هذه الحرب وحققت ما تريد. وكذلك فعلت إسرائيل مع مصر، وما زالت تدعم الترويج في جميع الدول الإسلامية.
إن هذه البلاد المباركة -وهي حصن السنة الأخير- مستهدفة، فبعد أن فشل دعاة الانحراف الفكري وكذا الانحراف العقائدي من تحويل أهلها وشبابها عن معتقدهم، ورأوا تماسكهم وتمسكهم بقيادتهم وانتماءهم لوطنهم سلطوا عليهم عصابات المافيا ومروجي المخدرات ودعموهم بالمال والفكر والتخطيط، ولكن الله تعالى أحبط كيدهم وأفشل خططهم. وستظل هذه البلاد المباركة تواجه هذه الهجمات الشرسة، ولن تتوقف هذه الهجمات بل ستزداد؛ فعلينا اليقظة والاستعداد التام، وعلى كل مواطن أن يقوم بما يستطيعه من جهد في صد هذا الشر عن بلاده.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم...
|