أما بعد: فقد تكلمت في الخطبة السابقة والتي قبلها عن أعمال عشر ذي الحجة، ومن هذه الأعمال التي ذكرت ذبح الأضحية في اليوم العاشر وهو يوم العيد، وسنقف معًا اليوم -إن شاء الله- مع الأحكام التفصيلية لهذه الأضحية.
أيها المؤمنون، ذبح الأضحية سنة مؤكدة، يكره للقادر تركها، وذبحها أفضل من الصدقة بثمنها. وبعض أهل العلم قالوا: إنها واجبة على القادر، وهو مذهب الإمام أبي حنيفة ورواية عن الإمام أحمد، ومال إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، يعني: إلى القول بالوجوب، واستدلوا بقوله حاثا عليها: ((من وجد سعة ولم يضح فلا يقربَن مصلانا)).
وإن قلنا: إنها سنة، فإنها تجب بالنذر أو التعيين. أما النذر فواضح، وأما التعيين فتتعين بقوله: هذا هدي أو أضحية، أو بالفعل كأن يضع عليها علامة على أنها أضحية. ومن كان لديه شاة ونوى أن يضحيها فإنها لا تتعين بذلك، وأما إذا ذهب إلى السوق واشترى شاة للأضحية، فمن أهل العلم من يرى أنها تتعين بذلك، ومنهم من لا يرى أنها تتعين. فإذا تعينت لزمه أن يضحي بها، ولا يجوز له أن يتصرف بها في غير ذلك، ولا حتى أن يعطيها لمحتاج صدقة.
وذبيحة قيّم البيت تجزئ في الثواب عن أهل بيته وجميع زوجاته إن كان له زوجات في بيوت عدة، ولو كان لبعضهم من الزوجات وغيرهم دخل أو راتب يخصهم.
والأضحية مشروعة عن الأحياء، إذ لم يرد عن النبي ولا عن أصحابه أنهم ضحوا عن الأموات استقلالا، ولكن يمكن أن يذبح المضحي عن أهل بيته الأحياء منهم والأموات، وهذا قد يستدل له بأن النبي ضحى عنه وعن أهل بيته. وأهل بيته يشمل الأحياء منهم والأموات.
وتجزئ الإبل والبقر في الهدي والأضحية عن سبعة أشخاص وأهليهم، يعني: إذا اجتمع سبعة أشخاص فذبحوا جملا أو بقرة فإنها تجزئ عن كل واحد منهم مع أهل بيته، لكن الأفضل في هذه الحالة أن يذبح كل احد منهم شاة بمفرده، أما إذا ذبح الرجل جملا أو بقرة عن نفسه وأهل بيته، يعني: لم يشاركه فيها أحد، فلا شك أن ذلك أفضل من ذبح الضأن أو المعز.
أما عن مسألة الأخذ من البشرة للمضحي في أيام العشر، فإنه يكره له أن يأخذ من بشرته شيئا من غروب شمس ليلة أول يوم من ذي الحجة إلى أن يضحي ولو ضحى في اليوم الثالث عشر، وهذا المنع خاص بالمضحي لا بأهل بيته الذين سيذبح عنهم. وذهب الإمام أحمد إلى أنه يحرم على المضحي أن يأخذ من بشرته شيئا في هذه العشر، وأنه يأثم بهذا الأخذ، وجمهور أهل العلم على الكراهة كما ذكرت؛ ولذا فالأحوط لمن أراد أن يضحي أن لا يأخذ من شعره أو أظافره أو بشرته شيئًا، إلا إذا كانت هناك حاجة ماسة لذلك.
ولو قلنا بوجوب عدم الأخذ، فأخذ الإنسان من شعره أو أظافره ناسيا أو جاهلا فلا شيء عليه، وكذا من نوى في أثناء العشر الذبح فإن عليه أن يمتنع عن الأخذ من بشرته من حين أن ينوي، ولا شيء عليه فيما أخذه قبل ذلك.
ويشترط في بهيمة الأنعام التي يضحى بها أن تكون قد بلغت السن المعتبرة شرعا، ففي الإبل خمس سنين، وفي البقر سنتان، وفي المعز وهي الغنم سنة، وفي الضأن وهي الخرفان ستة أشهر.
ويشترط في الأضحية السلامة من العيوب المانعة للإجزاء، فلا تجزئ المريضة البين مرضها، ولا الهزيلة، ولا العرجاء البين عرجها، ولا العمياء، ولا العوراء البين عورها.
أما عن وقت الذبح فيبدأ من بعد ركعتي صلاة العيد في اليوم العاشر، والأفضل أن تكون بعد خطبة العيد، إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر، فمن ذبحها قبل ذلك أو بعده فلا تصح أضحية، ولكن إن وجبت عليه بالنذر أو التعيين فعليه أن يذبحها بعد ذلك ويكون ذبحه لها قضاء.
والأفضل للمضحي أن يذبح بنفسه، فإن وكل غيره فالأفضل أن يحضرها، ولا بأس من عدم حضوره لها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه المبين، وبسنة سيد المرسلين، أقول قولي هذا...
|