أما بعد: (الزيدية هم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة رضي الله عنها، ولم يجوزوا ثبوت الإمامة في غيرهم).
(وزيد بن علي لما كان هذا مذهبه أراد أن يحصل الأصول والفروع حتى يتحلى بالعلم، فتتلمذ في الأصول على واصل بن عطاء رأس المعتزلة ورئيسهم... فاقتبس منه الاعتزال وصار أصحابه معتزلة. وكان من مذهبه جواز إمامة المفضول مع قيام الأفضل والخروج على أئمة الجور. فقال: كان علي بن أبي طالب أفضل الصحابة، إلا أن الخلافة فوضت إلى أبي بكر لمصلحة رأوها وقاعدة دينية راعوها؛ من تسكين ثائرة الفتنة، وتطييب قلوب العامة. فكانت المصلحة أن يكون القائم بهذا الشأن مَنْ عرفوه باللين والتؤدة والتقدم بالسن والسبق في الإسلام والقرب من رسول الله ... ولما سمعت شيعة الكوفة هذه المقالة منه وعرفوا أنه لا يتبرأ من الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما رفضوه. ولما قتل زيد بن علي وصلب في الكوفة قام بالإمامة بعده ابنه يحيى بن زيد، فمضى يحيى إلى خراسان، فاجتمعت عليه جماعة كثيرة. وقد وصل إليه الخبر من ابن عمه جعفر الصادق بأنه يقتل كما قتل أبوه، ويصلب كما صلب أبوه، فجرى عليه الأمر كما أخبر. ولم ينتظم أمر الزيدية بعد ذلك) [الملل والنحل للشهرستاني ص154-158. وانظر: مقالات الإسلامية للأشعري ص136]. ثم تفرقوا فرقًا عدة.
أيها المسلمون، عامة الزيدية قريبون من أهل السنة في شأن الصحابة، يترضون عليهم، ويتولون أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، وقد تأثر كثير جدًا منهم في اليمن بأهل السنة، لنشاط الدعوة السنية هناك، وقدوم عدد كبير منهم للعمل في المملكة على مدار الخمسين سنة الماضية ودراسة عدد منهم في الجامعات السعودية، وسلفُهم في ذلك علماء أجلاء كانوا على مذهب الزيدية ثم تحولوا لمذهب أهل السنة والجماعة، منهم الأمير الإمام الصنعاني توفي سنة 1182ه، والإمام محمد بن علي الشوكاني توفي سنة 1250ه، وهم من أعلام أهل السنة والجماعة في عصرهم، ومن المعاصرين الشيخُ مقبل الوادعي فقد كان زيديًا ودرس في الجامعة الإسلامية في المدينة فصار من أعلام أهل السنة، وغيرهم كثير ممن لهم جهود مشكورة في بلادهم.
معشر الأفاضل، لما قتل زيد بن علي في الكوفة سنة 121ه، ثم قتل من بعده ابنه يحيى بجوزجان من بلاد خراسان سنة 126ه، وقتل من بعدهم الإمامان محمد وإبراهيم، لم ينتظم أمر الزيدية، ومالت فرقة منهم عن القول بإمامة المفضول، فطعنت في الصحابة رضي الله عنهم كما فعل الرافضة الذين رفضوا زيدًا من قبل، وهؤلاء هم الجارودية من الزيدية، فهم غلاة، معتقدهم قريب من معتقد الرافضة الاثني عشرية، زعموا أن النبي نصّ على علي بالوصف دون التسمية.
(والتشيع ثوب يتستر وراءه كل من يريد أن يبذر الفتن ضد الإسلام والمسلمين، ومأوى يلجأ إليه كل من أراد هدم الإسلام بإدخال تعاليم آبائه وأجداده من يهودية ونصرانية ومجوسية وهندوسية وأفلاطونية وغيرها من كافة الفرق الباطنية)؛ ولهذا قال الإمام القاضي ابن الباقلاني عن هؤلاء: "إن ظاهرهم الرفض وحقيقتهم الكفر المحض". فهم يبطنون خلاف ما يظهرون، ويكتمون اعتقادهم فلا يظهرونه إلا لمن وثقوا به، ويعتقدون أن لظواهر القرآن والأخبار بواطن تجري في الظواهر مجرى اللب من القشر، وهي في حقيقتها كما يزعمون رموز وإشارات لا يفهمها غيرهم.
أيها المؤمنون، (يرى بعض العلماء ومؤرخي الفرق أن الأصل التاريخي للباطنية يرجع إلى المجوس، وذهب آخرون في نسبتها إلى الصابئة بحران. إلا أن هذا الاختلاف لا يعني شيئًا كثيرًا عندما نعرف أن الأصول التي تعتمد عليها الباطنية بكل فرقها وطوائفها نابعةٌ من الفلسفة اليونانية التي غذت بأفكارها الكثير من هذه الفرق).
(والمتتبع لتطور عقائد الشيعة، والتي بدأت بفكرة الدفاع عن حق آل البيت في الخلافة، إلى اتخاذ هذا البيت الكريم والنسب الشريف وسيلةً لنشر مذاهب دينيةً خاصة تهدف إلى أغراض سياسية يَجزم أن وراء هذه التطورات يدًا خبيثة سوداء تحيك في الظلام مؤامرة ضد عقائد الإسلام.
والراجح تاريخيًا أن اليهود لا يستطيعون الانتقام بحد الحسام، فلجؤوا إلى الحيلة والمؤامرة لزرع الفرقة بين المسلمين، ليضربوا بعضهم ببعض، حيث تقدم عبد الله بن سبأ ذلك الحبر اليهودي الذي تظاهر باعتناق الإسلام، وحاول أن يظهر بمظهر المشفق على الحياة الإسلامية، فاستطاع من خلال ذلك أن يجذب إليه الذين زعموا في تصرفات عثمان خروجًا عن منهج سلفيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وكان دور ابن سبأ أن ينشر هذا الخلاف في شكل يلفت النظر ويثير النفوس على عثمان . وفي هذا الجو تمكن اليهودي الذي تدثر بالإسلام أن يوحي إليهم بمؤاخذة عثمان أو انتقاصه. وفي هذا الجو المعتم كانت الباطنية بقيادة ابن سبأ اليهودي تحيك مؤامراتها بابتداع وترسيخ مناهج الباطنية في تأويل نصوص الشريعة على نحو يفضي إلى نسخها والاستعاضة عنها بخليط عجيب يجمع بين خرافات الفرس ووثنية الإغريق وعقائد اليهود الذين حرفوا دينهم) [انظر: الحركات الباطنية في العالم الإسلامي د. محمود الخطيب ص19-21]. والغاية من هذا كله هدم الإسلام وتقويض بنائه الذي عجزوا عن مواجهته.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ.
|