أيها الإخوة المؤمنون، وهكذا تتسارع الأحداث وتنتشر في معظم العالم العربي لتنذر بأخطار كبيرة لا يعلم بها إلا الله، وتوحي بأن الله سبحانه وتعالى قد أذن بالقصاص من الظالمين، وإلا كيف تحدث هذه الأحداث وبهذه السرعة الغريبة؟!
على كل حال هذا موضوع نتناوله لاحقا، ولكن بعد إتمام قصة انفصال جنوب السودان وهو يدخل ضمن ظلم المسلمين لإخوانهم في السودان وتركهم لوحدهم يواجهون هذا المصير المظلم.
وكما بينا في الخطبة السابقه لقد نجح الاستعمار في فصل السودان عن مصر، وركزوا على السودان بشكل خاص لكنهم فشلوا في تنصيرهم، ففروا إلى الجنوب حيث الوثنيين واللادينيين، وأخذت الكنائس تنعم عليهم بالمشاريع الجبارة وتبني المستشفيات وترصف الطرق وتشيد الكباري وتنشر المدارس التنصيرية والكنائس في كل القرى والشوارع العامة، وتبني النوادي المختلطة، وتوزع الكتب باللغة المحلية، وتشجع على تعلم اللغة الإنجليزية. والذي ترى أنه من القبائل ذات النفوذ والكثرة في العدد ترسلهم إلى دورات تدريبية متقدمة إلى أمريكا وأوروبا ويمنح الشهادات العليا، وإن رأت فيهم نبوغا عسكريا يرسل إلى إسرائيل ويدرب على الأسلحة والمعدات. و"جون قرنق" من خريجي كليات إسرائيل، ومنح الدكتوراه من أمريكا، وبعد عودته عين في الجيش السوداني بضغط من أمريكا، فتعرف على الأفراد والضباط الجنوبيين، ثم قرر التمرد بهم وشكل جيش تحرير السودان.
تأملوا الاسم: "جيش تحرير السودان"، ولم يقل: جبهة؛ مما يدل على أن المخططين له هم الذين أوحوا له بالاسم؛ لأن الهدف هو تفتيت السودان ولن يكتفوا بفصل الجنوب عن الشمال.
على كل حال استمر القتال بين "جون قرنق" والحكومة السودانية أكثر من عشرين سنة، وبين وقت وآخر تتدخل أمريكا والغرب لمحاولة إيقاف القتال، وفي نفس الوقت هم مستمرون في دعم "جون قرنق" ورجاله بالأموال والأسلحة الحديثة وصور الأقمار عن أماكن تواجد القوات السودانية، وعالمنا العربي والإسلامي يشاهد من بعيد وكأن الأمر لا يعنيه، وإن ساعد فهو على استحياء وتردد.
أيها المسلمون، وفي الحقيقة السودان عانى كثيرًا من هذه الحرب؛ لأنه لوحده أمام أمريكا والغرب، ولقد استخدم الغرب وعلى رأسهم أمريكا كل وسائل التشهير والتنديد بالسودان، مرة بمحاولة احتوائه أو الإطاحة به وعزله دوليا وتارة بحجة رعايته للإرهاب وتارة بإثارته للنزاعات القبلية الداخلية، ومع كل ذلك لم يفلحوا.
ثم فكروا في محاكمته غيابيا، فاستصدروا الأوامر والقرارات، ونجحوا في إقناع العالم الغربي والعربي، فصدر من محكمة الظلم الدولية قرارًا بأن الرئيس السوداني مجرم حرب يجب أن يلقى القبض عليه ويحاكم.
أما نحن المسلمين، فجميعنا مقصرون حكامًا ومحكومين، فالحكومات العربية لم تفعل شيئًا يقوي موقف السودان ويناصره ويدعمه في مثل هذه الظروف الصعبة والمصيرية.
وإن نظرنا للعلماء والفقهاء والدعاة فنجدهم مقصرين لأننا لم نسمع بمن قام بمشاريع تنموية أو دعوية ضخمة على مستوى السودان المترامي الأطراف أو على مستوى الجنوب لينافس الهيئات الغربية. وإن وجد فعلى مستوى أفراد يحاربون من قبل الهيئات الصليبية ويتهمون بالتطرف ودعم الإرهاب، ومن ثم يتوارون عن الأنظار خوفا على سمعتهم.
ومع الأسف الشديد لا نجد من يقف ضد هذه الافتراءات والتهم من الدول العربية والإسلامية، وينافح في المحافل الدولية، ويبرهن على كذب هذه المقولات لأن الناس زهدوا في العمل الخيري وخافوا من التهم.
وإذا نظرنا إلى التجار والأغنياء نجدهم خائفين من نفس التهم ودعم الإرهاب؛ لذلك نؤكد بأننا جميعا مقصرون وظالمون لإخواننا في السودان وفي غيره من المناطق المنكوبة.
فيا أيها الناس، احذروا بطش الجبار سبحانه وتعالى؛ فإن المعاصي تزيل النعم وتمنع الواصل وتزيل الحاصل. ولقد حذر رسولنا من خذلان المسلم لأخيه المسلم فقال في الحديث الصحيح: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله))، فنحن خذلناهم وظلمناهم وأسلمناهم للأعداء.
فاتقوا الله أيها المسلمون، وعودوا لربكم وسنة نبيكم ؛ لتعرفوا الطريق الصحيح، فإن الأمة العربية والإسلامية مقبلة على أحداث جسام لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى.
نفعني الله وإياكم بالقرآن والسنة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
|