أيها المسلمون، حدثينا اليوم عن الأحداث التي تدور حولنا وبشكل متسارع وهي كثيرة، وكان آخرها أحداث تونس، ولكننا سوف نتحدث عن أحد هذه الأحداث وهو فصل جنوب السودان عن شماله.
وقبل أن نسهب في الحديث عن هذه المكيدة الاستعمارية العالمية المخطط لها قديما نريد أن نعرف كيف حدث كل هذا، وأين كان المسلمون وحكامهم حتى وصل الحال إلى أن يقرر الأعداء مصير دولنا لعلنا نعتبر ونتعظ.
لكي نعرف السر علينا أن نعود إلى الوراء أيام الحروب والحملات الصليبية، وبالذات الحملة الصليبية الثامنة في عام 1249م لملك فرنسا لويس التاسع، والذي خطط وأسس لكيفية التعامل مع المسلمين.
هذا الملك غزا العالم الإسلامي مرتين ويهزم، وأخيرًا وقع أسيرًا وسجن في دار ابن لقمان بالمنصورة في مصر العربية، وأثناء سجنه وجد فرصة للتفكر والتأمل، وقرر بأنه لا يمكن الانتصار على المسلمين من خلال الحرب فقط؛ لأن دينهم يحث على التضحية من أجل الدين والوطن، ولكن ممكن هزيمتهم باتباع الطرق الآتية:
- إشاعة الفرقة بين قادة المسلمين.
- عدم تمكين البلاد العربية والإسلامية من أن يقوم فيها حكم صالح.
- إفساد أنظمة الحكم في البلاد العربية والإسلامية بالرشوة والفساد والنساء حتى ينفصل الشعب عن الحاكم.
- الحيلولة دون قيام جيش مؤمن بحق دينه ووطنه ويضحي لهما.
- العمل على الحيلولة دون قيام وحدة عربية في المنطقة.
- العمل على إنشاء دولة غربية في المنطقة العربية هي: (إسرائيل).
هذه الوثيقة محفوظة حتى يومنا هذا في دار الوثائق القومية في باريس. وجاءت بعده حملات صليبية وكان آخرها حملة نابليون بونابرت في عام 1798م وفشلت، عند ذلك عاد الغرب لوثيقة لويس التاسع وشرعوا في تطبيقها على أرض الواقع، فقام الثري اليهودي تيودور هرتزل في اجتماع حضره أغنياء العالم الغربي من يهود وغيرهم، وقرروا في عام 1897م تحقيق الوصية السادسة من وصايا لويس، وهي أن تقوم دولة غربية في المنطقة العربية تعمل على عدم استقرار جيرانها، وبعد خمسين عامًا تم لهم ذلك، وأعلن قيام دولة إسرائيل في عام 1948م.
وقبل ذلك نجحوا في تدمير الخلافة العثمانية، وحققوا الوصية الثانية من وصايا لويس، وتم القضاء على الخلافة العثمانية التي كانت تجمع العالم العربي والإسلامي، وكان ذلك في عام 1924م.
هم يخططون بهدوء وينفذون بصمت، ولقد أعادوا الأندلس نصرانية بعد أن بقيت إسلامية لأكثر من ستمائة سنة.
أيها المسلمون، إنهم يقولون ويفعلون ولو بعد حين، لا يملون ولا ييأسون، إنهم يقولون عن بلادنا الإسلامية: انشروا الفوضى الخلاقة، وفتتوا الدول إلى كيانات صغيرة؛ يسهل احتواؤها وترويضها.
هم يتمنون أن تعود جزيرتنا العربية وثنية كما كانت قبل بعثة نبينا محمد ، وسائرون على هذا الخط بهدوء.
معاشر المسلمين، بعد تدمير الخلافة العثمانية وتنازل محمد علي باشا عن سلطانه في آسيا الصغرى والشام وبلاد الحجاز احتفظ أبناؤه بمصر والسودان، وكان الملك فاروق يسمى ملك مصر والسودان. وأثناء احتلال بريطانيا لمصر كانت تحاول بشدة فصل السودان عن مصر.
وقامت الثورة على الملكية في مصر، وأصبح الرئيس محمد نجيب رئيسا لمصر والسودان، وكان يعتبر نفسه سودانيا لأن أمه سودانية ويؤمن باستمرار الوحدة بين مصر والسودان إيمانا مطلقًا، وفي خطبه كان يوجه كلامه إلى شعب وادي النيل.
فلما رأى المستعمر البريطاني شدة رغبة محمد نجيب في استمرار الوحدة بين مصر والسودان خططوا لإزاحته عن هرم الرئاسة، واستفادوا من محاولة اغتيال جمال عبد الناصر، وأوعزوا إلى حركة الضباط الأحرار بأن محمد نجيب كان يعرف عن هذه المحاولة، فانقلبوا عليه واعتقلوه وأهانوه ونكلوا به ووضعوه في الإقامة الجبرية؛ مما جعل محبي الرئيس محمد نجيب في السودان يغضبون على حركة الضباط الأحرار واتخذوا موقفا ضدهم، وكانت البداية في التفكير في الانفصال عن مصر.
واستفاد وزير الخارجية البريطاني العجوز الداهية المحنك "أنطوني إيدن" من الأحداث، وبدأ مفاوضات تبدو في ظاهرها أنها مع الثورة ولمصلحة الضباط الأحرار وفي مقدمتهم الرئيس جمال عبد الناصر، وكان شابًا متحمسًا، لكن لا باع له في السياسة مثل هذا الداهية.
وكان النقاش يدور حول جلاء القوات البريطانية عن مصر والسودان، وأن الجلاء عنهما في وقت واحد يطول كثيرا، ولكنه أكد لعبد الناصر أن الجلاء عن مصر فقط ممكن يتم في شهر واحد، وأنه من صالحك ويقوي موقفك أمام الشعب، وفعلًا استحسن عبد الناصر الفكرة ووجدها لصالحه، وأنه هو صانع الجلاء وبطله ومدبره، وأنه نجح في الضغط على بريطانيا لمغادرة البلاد، وطبل له الإعلام وهلل لبطل الجلاء جمال عبد الناصر، وغفلوا أو تغافلوا عن الثمن الفادح الذي دفعته مصر والسودان من جراء هذه الاتفاقية الغامضة التي ظهرت بعض آثارها اليوم من فصل الجنوب عن الشمال، والبقية المخطط لها آتية.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وهدي وسنة نبيه الكريم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إن هو الغفور الرحيم.
|