أما بعد: فإنَّ أحسنَ الحديثِ كِتابُ اللهِ، وخيرُ الهديِّ هديُّ مُحمَّدٍ ، وشرَّ الأُموُرِ مُحْدثاتُها، وكُلَّ بدعةٍ ضلالة، وكُلَّ ضلالةٍ في النَّارِ.
عِبادَ الله، قد أفلَحَ مَنْ زَيَّنَ اللهُ في قلبِهِ القُرآن واصطفاهُ واختارهُ على أحاديثِ النَّاسِ، إنَّ اللهَ مِمَّا يخلُقُ يختارُ ويصطفِي.
عباد الله، أحِبُّوا اللهَ من كُلِّ قُلوبكُم، وتحابُّوا بروحِ اللهِ بينَكُم، واصدُقُوا اللهَ خالِصَ ما تقُولونَ بألسنتِكُم، ولا تنقُضُوا الأيْمَانَ بعدَ توكيدِهَا، فإنَّ اللهَ يغضَبُ أن يُنكَثَ عهدُهُ.
وبعدُ: نضّرَ اللهُ هذه الوجوه الطَّيِّبَة وحيَّاكُم اللهُ وبيَّاكُم، وأسألُ العلِّيَّ القديرَ الذي جمعنَا على الطَّاعات في بيتٍ من بيُوتِهِ الطَّاهِرات أن يجمعنَا تحت لواء الرّحمة المُهداة تحت لوائه، نَرِدُ على حوضِهِ مع صحبِهِ الأخيار، نُسقَى من يمينِهِ المُباركة مُذقَةَ ماءٍ، لا يعرِفُ بعدها الظمأ إلينَا سبيلًا.
معاشر المسلمين، حينما تتعاظم المكائد على الأمّة ويختلط عليها الحابل بالنّابل فلا تكاد تنكر منكرًا ولا تعرِفُ معروفًا ويمتزج الهوى بالهدى؛ كان عليها لزامًا أن تعود إلى مصدر نقائها وكُنه عقيدتها وشمائل رسولها ، حتّى تخرج من غياهب ضلالها إلى نور ربّها وصفاء سريرة رسولها ، وهذا ما جعلنا نحمل الحقّ ولا نحسِن عرضه، أو نقوله على استحياء لا يكاد صوتنا يُفارقُ حناجِرنا، رغم أنّ الشّرائع والمواثيق الدّوليّة والقواعد الآمرة للقانون الدّولي العام في صفّنا، وأكثر من ذلك معنا شرع الله ورسوله ، ويكون غيرنا على ضلالة ويملك أدوات عرض غاية الدّهاء والتّفوُّق، فنفشل ونحن نحمل رسالة الحق، ويُحسِن غيرنا وهو على ضلالته وغيِّه وغطرسته في عرض سلعته المُزجاة، فيحوِّلُها إلى قضية العصر يبتلِعُها الشّرق والغرب ويرفع لها الأعلام ويُسكبُ لها المداد وتخصّص لترويجها ترسانة إعلاميّة هائلة.
وقِسْ -أخي المُسلم- كلّ قضايانَا التي هي في الوَحَلِ والطِّين بسببِ تقصيرنا في إيصالها إلى غيرنَا، وأبدأُ بأمِّ المدائن وقطب رحى قضايانا ألا وهي قضية الأقصى الذي لا يزال يتعرّض من يوم إلى آخر إلى الاعتداءات السّافرة من الصّهاينة، ونفس المنطق ينطبقُ على قضيّة العراق مهد الحضارات وخزّان إبداعات هذه الأمّة، فتصف القوانين الدّوليّة بأن ما وقع عليه غزو تكييفًا قانونيًّا صريحًا لا يقبل دحضًا، ويعترفُ الغازي بأنّه غاز ويطبِّقُ على نفسه قواعد المواثيق الدّولية ومعاهدة جينيف للقانون الدولي الإنساني التي تجب على الغازي، ويُنكِرُ أبواقه ممن ينتسب إلى هذه الأمة بأنّه غاز، والله هذه من عجائب عصرنا!
والنّكباتُ توالت حتّى أذاق بعضنا بأسَ بعض في الجزائر بالأمس، واليوم في الصومال والسُّودان، والقائمة لا تزال مفتوحة، نسأل الله العليّ القدير أن يحقن دماء المسلمين.
وخير ما أردتُ أن أُصدِّرَ بهِ هذا المقال هو قول الفاروق عمر وأرضاه حال اعتناقه الإسلام في السّنة السادسة من البِعثة، فبمجرّد ولوجه دار الأرقم بن أبي الأرقم وبعد ما أخذ النّبيُّ بمجامِعِ ثيابه قائلًا له: ((أمَا آن لك أن تُسلم يا ابن الخطّاب؟! أتريد أن يحلّ عليك غضب الله كما نزل بالوليد بن المُغيرة؟!)) أو كما قال ، فرقّ قلب عمر واستجاب الله لدعاء النّبي : ((اللّهم انصر الإسلام بأحبِّ العمرين إليك))، أو كما قال ، فشهِد شهادة الحقِّ بأن لا إله إلاَّ الله وأنّ مُحمّدًا رسول الله ، ثمّ قال: يا رسول الله، ألسنَا على حقٍّ وهم على باطل؟! فأجابهُ رسول الله بالإيجاب: ((أي بلَى))، فقال نصدعُ بما أُمرت، بعدما أنزل الله على رسوله : فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ، فخرج المسلمون في فريقين، وقيل: سمّاهُ رسول الله يومها بالفاروق؛ لأنَّ المسلمين يومها خرج فريقان: أحدهما على رأسه أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب ، والآخر على رأسه الفاروق، فقد فرّقَ به الله بين الحق والباطِل، وهو القائل على نفسه: (خير ما في هذه الدُّنيا أن يقول الحق ولو كان على نفسه)، وهذا بفضل الله، فله الفضل والمِنّةُ في الأولى والآخرة، فهو الذي يضحِكُ ويبكي، ويهدي من على ضلالته ليصبح بعد ذلك خليفة خليفةِ رسول الله :
فلولا الله ما صلينا ولا صُمنا لا زكّينا فأنزلن سكينة علينا وثبّت الأقدام إن لاقينا
واخترت وقفة مع الفاروق الذي قد التجأت إليه كلما دعت الحاجة إليه أكثر من غيره رغم مرتبة أبي بكر العليّة والتي زيّنها الله ورسوله في قلوبنا حتّى أينعت وفاح عبيرها، ولكن مكانة هذا الرجل العظيم لا يرقى في قلوبنا أحد رُقياه، وذلك للحقّ الذي أجراه على قلبه ولسانه، ومن أشهر مقولاته في توصيف شأن هذه الأمّة، قال : (كُنّا قومًا أذلاء فأعزّنا الله بالإسلام، ولو بحثنا العِزَّة في غيره لأذلنا الله). وها نحن نجني عُقبى لهثنا وراءها، فما غنمنا دُنيا، وبعُدنا عن الآخرة كأن لم نُخلق إلاَّ لأجلها.
معاشِرَ الأحِبّة، أردت أن نقِف وقفة تأمّل، لنطرح بعض الأسئلة التي تحاول أن توصّف واقعنا محاولين بعون الله إيجاد بعض الحلول التي نسألُ الله العلي القدير أن يوفقنا للاهتداء لها: فأين نحنُ من الحقّ؟! وأين الحقّ منّا؟! ولماذا استطاع الآخر على ضلالته أن ينفُخَ في دعواه الباطلة المزجاة الوبيّة الجوفاء حتّى انتفخت فعلت على الحقّ صوريّا؟! ولماذا لم نستطع نحن بالرّغم من صدق قضايانا وأننا على حقّ ولكن فشلنا إلى حدّ ما في إيصال قضايانا؟! وما السّبيل إلى تخطِّي هذا العجز كي نوصِلَ قضايانا إلى العالم كما هي ليس استجداءً لأحد وإنّما لدحض افتراءات الأفّاكين المتجرِّئين على الله وعلى رسوله الكريم ؟!
ورغم قتامة الصّورة فإن كان للباطل ردحة من الزّمن فإنّ للحقّ ردحات وإن كان له دولة فهذا قانون إلهي أقرّ به الله من سابع سماوات، فقال في مُحكَمِ تنزيله: وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ، وأحسنُ ما قيل في ذلك من الأراجيز:
وتلك الأيام كما شاهدتها دُوَلٌ فمن سرَّهُ زمنٌ ساءتهُ أزمانُ
وهذا القول ينطبق علينا فُرادى وجماعات، حتّى النتيجة هي التي أخبر عنها الصّادق منذ أن بعثه ربّه بالهدى ودين الحق: ((تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة على قصعتها)) الحديث، وليس ذلك لقلّتنا ولكنّنا كُثر ولكن غثاء كغثاء السّيل، فنرجو من الله العليّ القدير أن يُبارك فينا فُرادى وجماعات، بقلّتنا وكثرتنا.
فحينما نقُصَت نسبة الإيمان عندنا إلى أدنى من الصّفر في بعض بلداننا فحاربنا الله ورسوله، فنُكصنا على أعقابِنا، وهذه سنة رسمها القرآن الكريم في إعجازه التّاريخي، ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلًا، نسينا الله فأنسانا أنفسنا، وحين ركنَّا إلى الدنيا وأصبحت في قلوبنا لا في أيدينا ألهثنا الله وراءها وما نحن ببالغيها، بل وتفرقنا ففشلنا وذهبت ريحنا وما نلنا الدنيا، بل هي أبعد ما تكون إلينا، فنحن في آخر ركبها، وأذاق الله بعضنا بأس بعض، بل وقذف الله في قلوبنا الهوان الذي عرّفه الصّادق المُعجز في أقواله وأفعاله وتقريراته وأوصافه وحركاته وسكناتهِ: ((حبُّ الدّنيا ومهابة الموت))، وقذف الله في قلوب أعدائنا عدم مهابتنا، بل بالعكس تجرّؤوا علينا لكثرتنا مالًا وبنين وكُنّا أكثر نفيرًا، فضاع المال في أيدٍ لا تحقُّ حقًّا ولا تبطِلُ باطلًا إلاّ ما رحم الله، وأضحت الكثرة غثاءً كغثاء السيل، ترى الحقّ وتسمِّيه بغير أسمائه، حتّى لا تكاد توصل للعالم بالطّريقة التي يبتغيها همومها، وأنّها على حقّ تدافع عن أرضها ومقّدساتها، فالحقُّ لا يُستجدى ولا يكون بالآمال الزائفة، وإنّما كما قال من أحسن في قوله:
وما نيل المطامح بالتّمنِّي ولكن تؤخذُ هذه الدُّنيا غِلابًا
فهذا توصيف سألحقه بواقع كمثال حتّى لا يكون المقال نظريا، قلتُ: نقُصَ منسوب الإيمان عندنا، وهاك الدّليل: حينما أصبح صوت نهيق المغنين والمُغنّيات العابرة للقارّات في هذه الأُمّة أعلى من أصوات أعلامها، فعمرنا به بيوتنا، وبيت لا يُعمّر بكلام الله إنّما مثله كمثل القبر، وهذا حال كثير من بلادنا والحمد لله في الغرب فحالنا على سلبياته فإنّ إيجابياته أعم وأشمل، وهي بارزة للعيان، والفضل لله وحده.
وقلتُ: حاربنَا الله في بعض بُلداننا، وهذه شهادة حقّ يُرادُ بها حقّ، نعم حرّمنا في بعض البلاد الإسلاميّة ما أحلّ الله دون ذكر للأسماء، بل حاربنا الله ورسوله بالقانون الوضعي، وحرِّم الحلال الطّيب، وحلِّل الحرام الخبيث، والشاهد على قولي من حرّم الحجاب بالقانون، وحرّم إطلاق اللِّحى، بل أصبح الحجاب علامة تتطرّف! هذا في بلداننا وتجاه أنفسِنا، وحرّمت تعدد الزوجات لإطلاق العنان لتعدّد الخليلات، فنال هذا البلد المرتبة الرّابعة في العالم ليس في التقدم العلمي ولا في البحوث والاختراعات، ولكن في نسبة الطّلاق، ولا تتحدّث عن نسبة العزوبة ولا العنوسة في صفوف الشباب والشّابات، وظهر الفساد في برّها كما في بحرها، حتّى أصبحت شواطئ الغرب أكثر منها أمانا وحياءً، وفشت الفاحشة في السّر والعلن.
نسي الكثير منّا شرع الله فأنساها أنفسها، بنسيانها واجباتها تجاه ربنا ورسولنا وآبائنا وأمهاتنا وفيما بيننا، فأصبحنا رحماء بيننا وبين من يُشاقق الله ورسوله، بل وأصبحنا أذلاء نلقي إليهم المودة، وأصبحنا يشاق بعضنا بعضا ويذيق بعضنا بأس بعض، أعزّة على بعضنا البعض، لا نخفض جناحنا لبعضنا، وهذا نهى الله عنه صراحة في محكم تنزيله: لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ، حتّى اتّبعنا المغضوب عليهم والضّالين، فدخلنا وراءهم جحر الضّب الذي أشار إليه حبيب هذه الأمّة ونورها، فإن اهتدينا بغيره ضلّ عملنا في غياهب الباطل، وما أخذنا من سراجه أنار الله به طريقنا واهتدينا به إلى شاطئ الأمان.
وذكرت بأننا ركنّا إلى الدُّنيا، وهذا نصفُ الهوان، وشطر الهوان الثاني هو الخوف من الموت، صفتان متلازمتان لتعريف الهوان، صدق رسول الله بعدما وصف سيف هذه الأمّة المسلول أتباع محمّد وهو في طريقه إلى الرّوم أكبر إمبراطوريّة عرفها التاريخ وتملك العدد والعدة أضعاف أضعاف جيش المسلمين: (لقد جئتكم بأناس يحبُّون الموت كما تُحبُّون الحياة).
وأمَّا بُعدنا عن الأسوة الحسنة الذي كان أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين يفديه أحدهم بنفسه وأمّه وأبيه وصاحبته وبنيه، الشاهد على ما نقول قولة عروة بن مسعود الثّقفي حينما أرسلته قريش ليحاور النّبي وهو يريد أن يحجّ بيت الله، وكانوا يظنّون أنه خرج ليدخل عليهم مكة عُنوة مُحاربًا، وكان قد عهد هذا الرجل الوقوف بين يدي الملوك، فلمّا رجع إلى قومه قال: "يا معشر قريش، إنِّي قد جئت كسرى في ملكه وقيصر في ملكه والنجاشي في ملكه، وإني والله ما رأيت ملكًا في قوم قط مثل محمد في أصحابه، ولقد رأيت قومًا لا يسلمونه لشيء أبدًا، فروا رأيكم".
فحلّ محلّ الحسنيين النّكبتان، أمَّا النّكبة الأولى فالفقر، حتّى وإن فارقناه فهو ملازمنا، وحتّى وإن أخذنا من الدنيا نصيبًا وافرًا من حطامها فهو يخيّم على قلوبنا، فما الفقر إلاّ فقر الأفئدة، وأمَّا النّكبة الثانيّة فهي الموت والخوف من اسمه، فأصبح شبحًا يرعب ذكر اسمه فرائصنا.
وأذاق الله بعضنا بأس بعض، وهي التي لم يُردها رسول الله لأمّته، فلم يستجب له ربُّهُ لأنّ الله قد قضى بها، فلا يُبدَّلُ القول عنده، ونسأل الله العلي أن يحقن دماء المسلمين في كلّ مكان، وإن كان لا بد من هذه الدماء نسأل الله أن تُسكبَ بحقّ أي: لإعلاء كلمة الله ونُصرة لدينه وذودًا عن حبيبه المُصطفى .
وإنه لملفتٌ للانتباه بعض الأصوات التي تبحث عن محاربة الإسلام في كل المعمورة ورفع شعارات كاذبة لا تمتُّ بالإسلام ولا إلى رسوله بأيّة صِلة، بطريقة لا تمتُّ كذلك إلى المنهج العلمي ولا الموضوعيّة لا من قريب ولا من بعيد، وأذكر من أنصار هؤلاء المعادين لشرع الله ومحادّة رسوله ورصدوا لأفكارهم مواقع إلكترونيّة من أهمها:
(www.ajm.ch).
و(www.precaution.ch).
و(www.extremecentre.org).
وأخذت بعض المُقتطفات من هذه المواقع في تعريفهم للإسلام، ولا يُخفُون كرههم ومعاداتهم لهذا الدّين الرّباني العفيف، فيقولون في جزء التّعليم: في النّقطة الثّانية: الإسلام نفسه في جوهره هو إجرامي، وفي النقطة الثالثة: يجب أن يفقِد الإسلام كُلّ قوّة مُلزِمة، بل يجبُ أن يخضع لإصلاح، وفي نقطة رابعة يقول: ننتظرُ وجوب منعه أي: منع الإسلام. هذه بعض النّقاط التي عرضها موقع (الوقاية دوت سي إيتش) في ردّه على ركن سمّاه بسؤال إنكاري: منع الإسلام مُلحقًا؟ هذه بعض الشّبهات التي تدور حول الإسلام وتزييف مُعتقداته وتشويه نبيِّهِ زورًا وبُهتانًا، وتجرُّؤوا على شرائع الله ورُسُلهِ، وَمَنْ يُشَاقِقْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ.
هذه بعض شُبهات أعداء الإسلام، لا نذكُرها ها هُنا لتأليب الفِتن، بل بالعكس نحن نتّبِعُ شرعة ربِّنَا التي لن تجد لها تبديلًا وتحويلًا، وذروة سنامِها مبدأ: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ، وقوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا، وقول رسول الله لأصحابه بأنهم بُعثوا ميسِّرين لا مُعسِّرين، وأن مجادلة من يختلف عمّا نحنُ عليه ليس بالسِّجال بالعكس كما قال الله تعالى وأمر نبيّة ومن ورائه كافة المُسلمين: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل: 125].
نقولُ: دين الله أعلى وأبلغ من أن نرُدّ على هذه الشُّبهات، وإن دين الله منتصر بقدَر من الله رغم أن أهله مقصّرون ويحتلُّون ذيل الرّكبِ منذ عقود، وقد روّج أعداؤهم بأنّهم دعاةُ حرب وقتل وإرهاب، والإسلام يبلغ معتنقوه الجدد عنان السّماء في الشُّهرة، ليس إلاَّ لأنّهم وجدوا في هذا الدِّين الحنيف السّماحة، وعكس ما يروِّجُه له من يريدون الإساءة له ولنبيّه الخاتم لرسالات ربّه منذ أبيه آدم إلى أخيه المسيح بن مريم عليهما السّلام.
وأذكُرُ على سبيل المثال إسلام أكبر المشاهير من المطربين والرِّياضيين، وهذه بُشرى نزُفُّها إلى شباب المُسلمين بأن يعلمُوا بأنّهم على حقٍّ، وأن أكبر مشاهير العالم بعد تقلُّبهم في أموال الدُّنيا وزينتها وامتصاص رحيقها أيقنُوا بعد بحثهم طوال مسيرتهم عن السّعادة بعد أن أنفقوا الأموال الطَّائلة في طريقهم إلى الطُّمأنينة، فما وجدوها في سبيل غير سبيل الإسلام، وأضرب لك المثال دون حصر أمثال، مع الإشارة أن هؤلاء المشاهير ليس لهم مع الإسلام لا صلة لا من قريب ولا من بعيد، تربّوا في عائلات غير مسلمة، ولكن تأثّروا برفقاء الخير الذين كانوا خير سفراء للإسلام وأحسن مبلِّغٍ عن رسوله.
وأبدأ بضرب المثال في مجال يستهوي شباب المعمورة أكثر من غيره، ألا وهو مجال كرة القدم كَاللاعب العالمي تيري أونري، فرانك ريبيري، نيكولا أنيلكا، وفي ميدان الفن: كات ستيفينس الذي أصبح يُسمّى يوسف إسلام، وأشهر من اعتنق الإسلام ونحنُ نأخذ بالظّاهر مايكل جاكسون، فليس المجال الذي يحوي قائمة معتنقي الإسلام فقط هم في مجال الملاكمة كما هو الحال لمايك تايزون ومحمد علي كلاي، فقط لربط الإسلام بالعنف قاتل الله الأفَّاكين، بل مشاهير الفنّانين كما يعبّرُ عنهم اليوم هم من يدخلون في دين الله أفواجا.
وهذه والحمد لله قرينة غير قابلة للدّحض بأنّ دين الله أعلى من شُبهات هؤلاء النّكرة، فهل بلّغتَ عن رسولك شيئا حتّى يتأسَّى بِك النّاسظ؟! أنَا وأنت وأنتِ أخي وأختي المُسلمة، تستطيعين أن تضربي الأمثال في مُجتمعنا هذا فتكون خير قدوة وسفير للإسلام، فماذا أعددت وأعددتِ للدِّفاع عن دينك بالطريقة التي ذكرناها سالفًا بالحكمة والموعظة الحسنة؟! هل سجّلت بعض الأقراص السي دي أو الدي في دي لكي تُساهم في تبريق صورة الإسلام المُشرقة؟! هل أعنت أحدًا وتعرّف بأن هذه من شمائل المُصطفى الذي بعثه ربّه رحمة للعالمين؟! هل كتبنا يومًا في صحيفة تدافع عمن يُلقي الشُّبهات جزافًا على الإسلام ورسول المسلمين دون علم ولا كتابٍ منير؟! هل علّمتَ مُسلمًا حرفًا؟! هل سخرت ما آتاك الله من مال للدعوة إلى سماحة هذا الدين وإعانة ذوي الحاجة من أبناء دينك؟!
متَى التزمنا بهدي القرآن وسنّة خير الأنام وسنة الخلفاء الرَّاشدين المهديين من بعده ونهجنا منهج الصّالحين الذي رسمه ورثة الأنبياء في هذه الأُمّة ألا وهم علماؤها سنقف يومًا على النّصر، ومتى غيرنا ما بأنفُسِنَا غيّر الله ما بِنَا، ومتى أحبننا لإخواننا ما نحبُّ لأنفُسِنا ونبذنا العصبيّة التي أمرنا رسول الله بأن ندعها لأنّها نتنة في معناها وفي نتائجها ونتفرّق شيعًا يضرب بعضنا رقاب بعض ويذيق بعضنا بأسَ بعضٍ حتّى فشلنا وذهبت ريحُنا، فأصبحت بيوت الله التي هي لله حتّى لا ندعو مع الله أحدًا، أصبح هذا المسجد لأولئك والمسجد الآخر يغلبُ عليه طيف الجنسيّة تلك، وتركنا قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ، لم يُقل الله تعالى: ذلك العرق أو ذلك الشِّق أو الجنس، بل قال تعلى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ.
فالإسلام والمُسلمون من كل ذلك براء، فأين نحنُ -أخي المُسلم- من كُلِّ هذا؟! أمَا آنَ لنَا أن نستفيق من سُباتِنَا؟!
|