.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

أحداث تونس عبر وعظات

6396

الرقاق والأخلاق والآداب

الفتن

يحيى بن سليمان العقيلي

اليرموك

17/2/1432

مسجد موضي الصباح

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- سنة الله في الظالمين. 2- صور محاربة الدين في تونس. 3- دروس وعبر من أحداث تونس.

الخطبة الأولى

معاشر المؤمنين، سبحان المعز المذل، سبحان الذي يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، سبحان الذي يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، سبحان الذي من عادى له وليا فقد آذنه بالحرب، سنة الله في الظالمين -يا عباد الله- ماضية، لا تتبدل ولا تتحول: سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً، طاغية من الطغاة تتحقق فيه سنة الله في الظالمين، كما تحققت في غيره من الطغاة قديما وحديثا، لكنه كغيره ممن هلكوا لا يتعظ أحدهم بمن سبقه، فيكون بظلمه وطغيانه عبرة لمن بعده، طاغية تونس الذي حكم شعبه ثلاثة وعشرين عاما بظلم وجبروت، عادى أولياء الله، وقهر شعبه بالحديد والنار، وحارب الإسلام والمسلمين، فهو أول من طبق السياسة الخبيثة المسماة "تجفيف المنابع"، فأدخل الألوف في السجون لأنهم قالوا: ربنا الله، وخلع الحجاب من النساء، وعبث في أحكام الشريعة، ونهب أموال شعبه، وأحاط نفسه بجند استخفهم فأطاعوه وساموا الشعب سوء العذاب.

وإذا بسنة الله فيه تدمغه فإذا هو زاهق، ويأبى الله إلا أن يذله قبل خروجه طريدا شريدا يتوسل للدول أن تؤويه، خرج على شعبه يتذلل لهم يتوسل ويتنازل، ولكن الشعب الأبيّ رفضه ولفظه، وما هي إلا ساعات حتى خرج مذؤوما مدحورا، في الصحيحين عن أبي موسى قال: قال رسول الله : ((إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)) ثم قرأ رسول الله : وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ.

حدثني منذ سنين تونسي التقيته في الكويت، وتجاذبنا الحديث فسألته عن أوضاعهم فقال: "لا يجرؤ أحدنا على صلاة الفجر في المسجد، بل إني إذا استيقظت لأتوضأ لصلاة الفجر فإني أتوضأ على ضياء الشمع ولا أشعل المصباح خوفا من رجال الأمن"، هكذا حارب هذا الطاغية الدين ليقتلعه من القلوب، ولكن هيهات هيهات، والله تعالى يقول: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ.

معاشر المؤمنين، إن في هذا الحدث عبرة وعظة لحكام المسلمين وولاة الأمور بل ولكل مسلم، فمن أعظم عبره وعظاته أن عاقبة الظلم إلى خسران، ولو تعاظمت قوة الظالم وتباهى بسلطانه وتحصّن بجنده، فذاك فرعون تجبرّ وطغى وظلم وقال: أنا ربكم الأعلى، فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر وأهلكه وجنده، فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ. وهكذا كان مصير الطغاة الظالمين على مرّ التاريخ، وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ، وقال تعالى: وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ، وقال تعالى في الحديث القدسي على لسان نبيه : ((يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمّا فلا تظّالموا)). فالظلم -عباد الله- محرم بجميع أشكاله، وبجميع مستوياته، ظلم المرء لنفسه بالشرك والمعصية، ظلم الحاكم لشعبه، ظلم القاضي في حكمه، ظلم الرئيس لمرؤوسيه، ظلم المخدوم لخادمه، ظلم صاحب العمل لعماله، كلها صور حرمها الشرع الحكيم، ونبذتها مكارم الأخلاق.

ومن العبر الهامة -عباد الله- أن عاقبة الكبر والطغيان إلى ذل وهوان، فالكبر خطيئة إبليس الأولى، ذمّه رب العزة وتوعّد المتلبس به بالخسران المبين والعذاب المهين، قال تعالى: وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ، عن أبي هريرة عن النبي : ((احتجت النار والجنة فقالت هذه: يدخلني الجبارون والمتكبرون، وقالت هذه: يدخلني الضعفاء والمساكين، فقال الله عز وجل لهذه: أنت عذابي أعذب بك من أشاء، وقال لهذه: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء، ولكل واحدة منكما ملؤها)) رواه مسلم. والتكبر من صفات أهل النار قال : ((ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر)) متفق عليه. فواجب على المسلم أن يتبرأ من الكبر وخصال المتكبرين، فالتواضع سمة المؤمنين المتقين، ومن تواضع لله رفعه.

معاشر المؤمنين، من عادى أولياء الله فقد آذنه الله بالحرب، ومن تمرد على أوامر الله فليبشر بمعيشة ضنكا، قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، لقد تستر هذا الظالم بستار محاربة الإرهاب ليحارب الدين، وطبق سياسة تجفيف المنابع ليناهض الشريعة، حارب الحجاب وعطّل المساجد، وبدل أحكام الشرع، وفتح البلاد لتكون مرتعا للغرب لنشر الانحلال، لهذا ارتضاه الغرب وسانده ليكون سدّا أمام الصحوة الإسلامية والعودة الرشيدة للإسلام، وصدق الله تعالى إذ يقول: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ. شرع الله لا يحارب، شرع الله لا يعادى، وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا.

 وفي هذا الموقف الخائن للأمة دليل على عداء الغرب للإسلام وتطبيق شريعته، وتحريض بعض القادة والمسؤولين على منع تطبيق الشريعة وتمكين الإسلام في واقع المجتمعات الإسلامية، بل صرّح وزير صهيوني بذلك، وصدق الله تعالى: وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ.

نسأل الله تعالى أن يعلي كلمة الحق والدين، وأن يرفع البلاء عن المسلمين، وأن يرد كيد الكائدين، إنه نصير المؤمنين وولي المتقين.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

معاشر المؤمنين، العدل أساس الملك، والحق قوام المجتمعات، والإسلام منهج الحياة، وإنما تعمر الحياة وترتقي الأمة إذا ساد العدل، وحكم الحق، والتزم الإسلام، فاستجيبوا –عباد الله- لأمر ربكم حكاما ومحكومين، واستقيموا على أمره وأطيعوه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ، وقال سبحانه: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ.

هذا، وصلوا وسلموا على الرحمة الهداة والنعمة المسداة...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً