أيها المسلمون، يقول تعالى: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ.
في يوم الجمعة 5/1/1430 أي: قبل سنة وبضعة أيام كان القتال دائرا على إخواننا المسلمين العزل والمحاصرين في غزة، واستمر لأكثر من اثنين وعشرين يوما، وهو لا يعرفون الليل من النهار، وكنا نظن أنه سوف يتوقف الحصار مع توقف الحرب، ولكن أعداء الله من يهود ونصارى ومن شايعهم من الفسقة والباطنيين لا يرضيهم بقاء غزة وأهلها صامدين أعزة، ومع كل هذه الظروف نقول لإخواننا هناك: نحن معكم بقلوبنا وجميع جوارحنا، ونسأل الله لكم دائما الفرج، وليس لدينا حيلة، وأن لا يؤاخذنا ربنا بخذلاننا لكم، رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ.
إن من قام ويقوم بهذا الحصار الظالم ليست الشعوب، بل الحكومات التي توجهها أمريكا وإسرائيل، وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ، ولكن صبرا أهل غزة، فإن الله تعالى معكم، ولقد أخبر رسول الله عن هؤلاء الحكام الظلمة وأنهم متواجدون في كل عصر ومكان، فقال : ((سيكون بعدي أمراء، فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه وليس بوارد علي الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدقهم بكذبهم فهو مني وأنا منه وهو وارد علي الحوض)) رواه الترمذي.
فاليوم الذين يبررون ما يحدث لإخواننا في غزة من قهر وظلم وتجويع، هؤلاء فاسقون ظلمة، فيجب على كل مسلم أن يستنكر هذه الإجراءات الظالمة، ولا يرضى بها، وهذا أضعف الإيمان، وفي الحقيقة لا يدري ما يقول المسلم وبماذا يبدأ وأوضاع إخواننا في غزة تدمي القلب.
أيها الناس، لا شيء أضر على الأفراد والأمم من طاعتهم لأعدائهم وتعلقهم بهم وثقتهم فيهم وانسياقهم خلفهم، يظنون نصحهم، ويرجون نفعهم، ويصبرون على ظلمهم أملا بما عندهم. ولقد وضح لنا ربنا تعالى وحذرنا من الثقة بالكافرين والمنافقين وطاعتهم، ولا أحد أنصح لنا من ربنا، ولا أحد أعلم بحقيقة أعدائنا ولا بما يصلحنا منه تعالى. إن طاعة الكفار والمنافقين لا تجني منها الأمة إلا الخسران والخذلان، وأن من يقسون على إخواننا في غزة سوف يتجرعون المرارة والذل في الدنيا وفي الآخرة.
كان أبو طالب يحوط النبي وينصره ويدافع عنه، فلما حضرته الوفاة دعاه النبي إلى كلمة الحق فقال: ((يا عم، قل: لا إله إلا الله؛ كلمة أشهد لك بها عند الله))، فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟! فلم يزل رسول الله يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلّمهم: هو على ملّة عبد المطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله. فأوردت طاعة الكفار أبا طالب نار جهنم خالدا فيها مخلدا وهو عم أفضل خلق الله ، ولم تنفعه قرابته.
وفي مقابل ذلك فإن طاعة الله وطاعة رسوله سبب للهدى والرشاد والفلاح في الدنيا والآخرة، وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ. مرض غلام يهودي ولو مات على يهوديته لكان من أهل النار، فأتاه النبي يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: ((أسلم))، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم ، فأسلم، فخرج النبي وهو يقول: ((الحمد لله الذي أنقذه من النار)) رواه البخاري. فكانت طاعته للنبي سببا لفوزه وفلاحه.
أيها الإخوة المؤمنون، إن طاعة الكفار والمنافقين وبال على الأفراد وعلى الدول والأمم، وما استبيحت الأمة الإسلامية وخذلت إلا بسبب طاعة كثير من ساستها ورؤسائها للكفار والمنافقين من بني جلدتنا، من الذي يعلن الإسلام وقلبه ضد الإسلام وأهله، وقد حذر الله نبيه ومجتباه من طاعة الكفار والمنافقين، وأكثر ما جاء النهي عن ذلك في سورة الأحزاب، وسميت بهذا الاسم لتحزب الكفار من قريش واليهود وحلفائهم ضد النبي كما يحدث لتحزب الكفار والمنافقين مع إسرائيل ضد إخواننا في غزة، فالتاريخ يعيد نفسه، وفي هذه المعركة أرجف المنافقون وخذلوا، ونقض اليهود عهدهم مع رسول الله ، وكان موقفا عصيبا، يشبه ما يعيشه أعل غزة اليوم من حصار وتجويع وجدار فولاذي وإسمنتي وإلكتروني، ولقد كان موقفا يستدعي اللين والتنازلات والمناورة والمهادنة، لا سيما أن حالهم كان كما وصفهم ربنا: وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ أي: لدرجة الاختناق، ولكن حسابات المولى غير حسابات البشر، فتفتتح هذه السورة العظيمة بنهي النبي عن طاعة الكفار والمنافقين: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً. ثم يتكرر هذا النهي الحازم وسط السورة في قوله تعالى: وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً، فلا طاعة للمنافقين حتى في الأوقات الحرجة والساعات العصيبة والأزمات الكبرى؛ لأن طاعتهم سبب للخذلان والنكسات، وهذه حقائق ربانية قد عمي عنها كثير من المسلمين.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه...
|