.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

من أحكام الاعتكاف

6152

الرقاق والأخلاق والآداب

فضائل الأعمال

حسين بن عبد العزيز آل الشيخ

المدينة المنورة

21/9/1430

المسجد النبوي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- سرعة انقضاء الأيام. 2- فضل العشر الأواخر. 3- مشروعية الاعتكاف وبيان بعض أحكامه وآدابه. 4- كلمة بخصوص الاعتداء الأجرامي على سمو الأمير محمد بن نايف حفظه الله.

الخطبة الأولى

أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ فبها الفلاح والسعادة والنجاح.

إخوةَ الإسلام، ما أسرعَ ما تنقضي الليالي والأيّام! وما أعجلَ ما ينصرم الزمان! فها هو شهرُ رمضان تقوَّضت خيامُه وتصرَّمت أيامه.

تصرّم الشهر وا لهفـاه وانْهدمـا       واختصّ بالفوز بالجنات من خدمَا

طوبى لمن كانت التقوى بضـاعتَه        في شهره وبِحبـل الله معتصمـا

فليحرصْ كلٌّ منا على اغتنامِ ما بقي من أيامه ولياليه بما يقرّبنا إلى المولى جلّ وعلا ويكون سببًا للفوز في الدنيا وفي الأخرى، فمَن شغلته عن دينِه دنيَاه فمتى يُقبل على مولاه؟!

إخوةَ الإسلام، نحن في العشر الأخيرةِ من رمضان، عشرٌ عظيمٌ فضلُها وكبيرٌ أجرُها، كان النبيُّ يجتهد فيها ما لا يجتهدُ في غيرها، وكان إذا دخَلت العشر شدَّ مئزرَه وأحيا ليلَه وأيقظَ أهلَه، فيها ليلةُ القدر خيرٌ من ألف شهر، من قامها إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه، وهي في الأوتار آكدُ كما صحَّت بذلك الأخبار عن رسول الله . ومن آكَد ما يجتهِد به فيها الإكثارُ من الدعاء، كما صحَّ عن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسولَ الله، إن وافقتُها فبم أدعو؟ قال: ((قولي: اللهُمَّ إنك عفُوٌّ تحب العفوَ فاعفُ عني)).

معاشرَ المسلمين، ومما يُسَنّ في هذه العشر الاعتكافُ، وهو لزومُ المسجد لطاعةِ الله جلّ وعلا، فقد جاء في الصحيحين أنَّ النبيَّ كان يعتكِف في العشرِ الأواخرِ في رمضانَ، ثم اعتَكَف أزواجُه في حياته ومِن بعده.

والاعتكافُ مقصودُه حبس النفس على العبادة، وقطع العلاقة عن الخلق، والبعد عن شؤون الدنيا، وعكوف القلب على طاعة الله جلّ وعلا، وإخلاء القلب عن الشواغل عن ذكرِ الله، مع التحلّي بأنواعِ العبادةِ وسائرِ القُرَب.

وأقلّ مدّة الاعتكاف على الصحيح من أقوالِ العلماء يومٌ أو ليلةٌ، ولا يجوزُ للزّوجة الاعتكافُ بلا إذن زوجها، ولا يصحّ الاعتكاف إلا في مسجدٍ تُقام به الجماعة، والأفضلُ في مسجدٍ تقام فيه الجمعَة إذا كان اعتكافُه تتخلّله الجمعة. وإن كان [ممن] لا تلزمه الجماعة كالمرأة فيصح في كل مسجدٍ سوى مسجد بيتها، وينبغي للمعتكفة أن تكون في أكملِ الأحوال من الاحتشامِ والحياءِ. ولا يخرج المعتكفُ من معتَكفه إلا لِما لا بدَّ له منه شرعًا كالخروج لصلاة الجمعة، أو حِسًّا كقضاءِ حاجةٍ وإتيانه بمأكَل ونحوه؛ لعدم من يأتيه بهما. قالت عائشة رضي الله عنها: السنة للمعتكفِ أن لا يخرجَ إلا لما لا بد له منه، وكان النبي لا يدخل البيتَ إلا لحاجة الإنسان. متفق عليه. ولا يعود مريضًا، ولا يشهد جنازة أو يزور قريبًا، إلا إذا اشترطه في اعتكافه، أي: عند بداية اعتكافه.

والأفضل عند جمهور أهلِ العلم لمن أراد اعتكافَ العشر أن يدخُل المسجد عند غروب الشمس من ليلة إحدى وعشرين، ويستحبّ أن يبيتَ ليلةَ العيد في معتَكفه ليخرُج إلى المصلّى كما هو فعلُ السلف.

ولا يجوزُ للمسلم أن يضيِّع واجبًا عليه لأجلِ الاعتكاف المسنونِ، ومَن كان في خدمةِ المسلمين وقضاء حوائجهم فالأفضل له الاستمرارُ في عمله؛ لأنّ العملَ المتعدّي أفضلُ من القاصد، ومَن منعه والدُه من الاعتكاف فينبغِي له طاعتُه كما دلّت على ذلك الأدلّة الصحيحة والقواعد الشرعية.

وينبغي على الوالدين أن يرعَيَا أولادَهما من ذكور وإناث في حال الاعتكاف، وأن يشرِفا بأنفسهما على ذلك؛ حتى تتحقّق المقاصد المشروعة وتنتفيَ المفاسد المحتملة، خاصة إذا [كانوا] صغارًا.

وليُعلم أنّ مما ينافي مقاصدَ الاعتكاف فتحَ المجال من قِبَل المعتكفين لمن يأتيهِم من الزوارِ أثناءَ الليل وأطراف النهار؛ مما يحصل معه تضييعُ الأوقاتِ بما لا فائدةَ فيه، بل وقد يتخلّله ما لا يحلّ من الأحاديثِ المحرمّة كالغيبة ونحوها، والشيطانُ حريصٌ. وإلا فلا بأسَ أن يتحدّث مع من يأتيه ما لم يكثر؛ لأنّ صفيّة رضي الله عنها زارته عليه الصلاة والسلام فتحدّثت معه كما صحّ بذلك الحديث.

ويستحبُّ للمعتكفِ اجتنابُ فضولِ المباحاتِ من مخالطةِ الأنام وفضول الكلام والمنام التي لا يحتاجُ إليها؛ حتى تكمل خلوتُه ويحصلَ مقصود اعتكافه على الكمال والتمام. وليحرص المعتكفُ على أن يكفَّ أذاه عن المصلّين، وأن يتأدّب بآدابِ المسجد، وأن يحرص على نظافته، خاصةً في مسجد رسول الله .

وينبغِي للمعتكفِ أثناءَ الصلاة التجمّلُ بما لدَيه من الملابسِ غير ملابسِ النّوم، والأفضلُ أن يتجنّب التجمّع ولو كان ذلك في التباحُث في مسائل علمية أو فقهية؛ لأنّ الاعتكاف خلوةٌ، وقد نقِل عن الإمام مالك وأحمد أنه لا يستحبّ للمعتكف إقراءُ القرآن ولا تدريس الفقه والحديث؛ حتى لا يؤثّر ذلك على المقصودِ الأعظمِ من الاعتكافِ.

اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا، وزدنا علمًا وفقهًا وتوفيقًا.

 

الخطبة الثانية

أحمدُ ربّي وأشكره، وأصلّي وأسلّم على من لا نبيَّ بعده.

أمّا بعد: فيا أيّها المسلمون، ممّا يُحزنُ المسلمَ ما وصَلت إليه حالُ الأمّة المسلمة، و[ليس] ما وقَع لرمزٍ من رموز الأمن في هذه البلاد في هذا الشهرِ العظيمِ إلا صورةٌ من صور المآسي المؤلمة لما يقَع في هذه الأمة.

ألا وإنّ أضرَّ شيءٍ على الإسلام والمسلمين عبرَ التأريخ تكفيرُ المسلمين بعضهم لبعض، واستباحة بعضهم دماء بعض. ومن قرأ التأريخ جيِّدًا يجد العجبَ العجاب من الشرور المستطيرة والبلاء العظيم الذي وقع على أمّة الحبيب بسببِ ذلك وبسبب فتنِ التفرّق والتحزّب، وهذا كلّه قد أفرَح ويُفرِح أعداءَ الإسلام، ففي قصّة الأمير مودود أحدِ ملوكِ السلاجقةِ وهو من خيار الملوكِ دينًا وجهادًا ضدّ الصليبيين، ومع هذا قُتِِل بسبب الفتن، قتِل في جامعِ دِمشق على أيدِي بعضِ الفئات من المسلِمين، وكان في يومٍ وهو صائم، فكتب أحدُ ملوك الإفرنج إلى ملِك السلاجِقَة يقول له ناقمًا وساخرًا: "إنّ أمَةً ـ يريد بها أمة الإسلام ـ إن أمةً تقتل أحدَ قادتها في بيتِ معبودها في يوم عيدها لحريٌّ أن الله يبيدها". ونَعَم، إنَّ الأمة لا يضرّها إلا التفرّق والتشرذم والفتن التي لا يحكُمها كتاب الله جل وعلا ولا سنة رسوله .

يقول الحسنُ آمرًا الناسَ بعدم الانخراط في فتنة ابن الأشعث، فعندما سمِع من يدعو على الحجّاج، قال له: "لا تفعل؛ إنكم من أنفسكم أُوتيتم، إننا نخاف إن عُزل الحجَّاج أو مات أن يَستَولي عليكم القِردَة والخنازير"، ويقول في مقام آخر: "لو أنَّ الناس إذا ابتُلُوا من قِبَل سلاطينهم صبروا ما لبثوا حينئذٍ أن يفرج الله عنهم، ولكنّهم يجزَعون إلى السيف فيوكَلون إليه، فوالله ما جاؤوا بيومِ خير قط"، ويقول أيضا: "فإنَّ الله إنما يغير بالتوبة، ولا يغير بالسيف"، وكتب أحد السلف إلى ابنِ الأشعث قائلا له: "إنك ـ يا بن الأشعث ـ قد وضعتَ رحلَك في ركاب طويل، أبقِ على أمّة محمّد ، انظر إلى نفسِك فلا تهلِكها، ودماء المسلمين فلا تسفكها، والجماعة فلا تفرِّقها، والبيعة فلا تنكُثها". فالله اللهَ لزومَ سنّة سيّدنا محمّد ، ففيها النجاة والعصمة من الشرور، ومن الآثام في هذه الدنيا وفي الآخرة.

ثمّ إنّ الله جلّ وعلا أمرنا بالصلاة والسلام عليه.

اللّهمّ صلِّ وسلّم وبارك على سيّدنا وحبيبنا وقرة عيوننا محمد، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم اجمع كلمتهم على الحق، اللهم ألِّف بين قلوبهم، اللهم اجمعهم على محبة محمد ...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً