.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

الأجور الغفيرة في اغتنام العشر الأخيرة

6151

الرقاق والأخلاق والآداب

فضائل الأزمنة والأمكنة

عبد الرحمن السديس إمام الحرم

مكة المكرمة

21/9/1430

المسجد الحرام

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- دخول العشر الأواخر من رمضان. 2- فضل العشر الأواخر. 3- هدي النبي والسلف الصالح في العشر الأواخر. 4- فضل ليلة القدر. 5- مشروعية الاعتكاف وفوائده. 6- التذكير بقضية فلسطين وبفريضة الزكاة. 7- كلمة بخصوص الاعتداء الأجرامي على سمو الأمير محمد بن نايف حفظه الله.

الخطبة الأولى

أمّا بعد: فيا عبادَ الله، خيرُ من استَكنّ في الجنانِ وثَرّ به اللسانُ الوصيّة بتقوى المولى الرّحيم الرّحمن؛ فاتَّقوا الله ـ رحمكم الله ـ في السرّ والإعلان، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ [آل عمران: 102].

مِلاكُ الأمر تقوى الله فاجعلْ    تُقـاه عدةً لصـلاح أمـرك

وبـادر نَحو طـاعته بعزمٍ     فما تدري متَى يُمضَى بعمرك

أيّها المسلمون، في نأيٍ عن الحياةِ النمَطية الرتيبة وتجافٍ عن مَألوفِ الأزمِنة القتيبَة تُنيخ أمّتُنا الإسلامية مطاياها بين يدَي عَشرٍ عظيمة، مُبَجّلةٍ كريمة، بالخيرات جميمَةٍ، وبالفضائل عميمة، قد غمَرتِ الكون بضيائها، وعمرت القلوب المعنَّاةَ بحبها ببهَائها، عشرٍ جرَت بالطاعاتِ أنهارها، وتفتّقت عن أكمام الخيرِ والبر أزهارها، وتطلَّع الصائمون القائِمون في لهيفِ شوقٍ لنفحاتها وأسرارِها، تُفيض أيامُها بالقرُبات والسرور، وتنيرُ لياليها بالآيات المتلوّات والحبور؛ ألا فلتهنَأ هذه الأمّة بالاغتباطِ والبِشْر في حلولِ هذه العَشر الزُّهر.

جرتِ السنـون و قدْ مضَى العمْرُ       و القلبُ لا شُكـرٌ ولا ذِكـرُ

هَـا قـدْ حبـاكَ اللهُ معـفـرةً        طرقتْ رحابَـك هذه العشـرُ

معاشرَ الصائمين، ومضَت الليالي والأيامُ فإذا نحن بفَضل الله في أفضلِ ليالي العَام، العشرِ الأخيرة المباركة، عشر التجلِّيات والنفحات وإقالةِ العثرات واستجابةِ الدعوات وعتق الرقاب الموبِقات.

الله أكبر! إنها بساتين الجنانِ قد تزيَّنت، إنها نفحاتُ الرحمن قد تنزَّلت، فحريٌّ بالغافل أن يعاجل، وجديرٌ بالمقصِّر أن يشمِّر، وإنها والله لنعمةٌ كبرى أن تفضَّل المولى جلّ وعلا علينا ومدَّ في أعمارنا حتى بلَّغنا هذه العشر المباركةَ. وإنّ من تمام شكرِ هذه النعمة أن نغتنِمها بالأعمال الصالحة، فهل نحن فاعلون؟!

عشْرٌ وأيُّ العشْرِ يا شهرَ التُّقَى عشْرٌ بها عتقٌ من النيـرانِ

فيهَا منَ الأيـامِ أعظمُ ليلـةٍ   بشرَى لقائمِ ليلِها بِجِنـانِ

أمّة الصيام والقيام، يتفضَّل ربُّنا جلّ وعلا على عباده بنفحاتِ الخيرات ومواسمِ الطاعات، فيغتَنم الصالحون نفائِسَها ويتدارك الأوابون أواخرها، ليالٍ مباركَة أوشَكت على الرحيل.

العشْرُ الأخيرةِ منْه تاج الليالي  وأنوارهـا ساطعةٌ كالـلآلي

كان نبيّنا إذا دخَلت العشر أحيَا ليلَه وأيقَظ أهلَه وشدَّ مئزَرَه، كما في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها. وعند مسلمٍ عنها رضي الله عنها وعن أبيها قالت: كانَ رسولُ الله يجتهِد في رمضانَ ما لا يجتهِدُ في غيره، وفي العشرِ الأواخرِ منه ما لا يجتهِد في غيرِها.

ها نحن ذا ـ يا عبادَ الله ـ في الشوطِ الأخير من السباق، فليت شِعرِي من السابقُ الفائز؟! ومن المحروم الخاسر؟! من الذي سينفُض عنه سِنَة الغفلة ويشمِّر عن ساعد العزم؟! من الذي يرفُض ظلامَ التّواني ويستقبل فَجرَ العمل؟!

كان عليه الصلاة والسلام يخصُّ هذه العشرَ بمزيدٍ من الأعمال الصالحات، فمن ذلك إحياءُ الليلِ كلِّه وشدُّ المئزر، وهو كنايَة عن اعتزال النساء، وقيل: بل هو كناية عن الجدِّ في العبادة، ويحتَمل أن يرادَ الأمران معًا. قال الحافظ ابنُ رجب رحمه الله: "ولم يكنِ النبيّ إذا بقِيَ من رمضان عشرةُ أيامٍ يدَع أحدًا من أهله يطيق القيامَ إلا أقامه". وقال سفيان الثوري رحمه الله: "أحَبّ إليَّ إذا دخل العشر الأواخر أن يتهجَّد بالليل ويجتهِد فيه ويُنهِض أهله وولده للصلاة إن أطاقوا ذلك".

هكذا كان عليه الصلاة والسلام في هذه العشر؛ تفرّغًا للعبادة وإقبالاً عليها، بل لقد كان عليه الصلاة والسلام يعتَكِف في هذه العشرِ لينقَطِع عن الدنيا ومشاغلها ويتفرَّغ لطلب ليلةِ القدر، ومِن بعده عليه الصلاة والسلام سارَت قوافلُ الصالحين المقرَّبين على ذاتِ السبيل، تقِف عند هذه العشر الغُرِّ وقفةَ جدٍّ وعزيمةٍ، ترتشف من رحيقها وتنهل من معينها وترتوِي من فَيض نميرها وتعمَل فيها ما لا تعمَل في غيرها.

هكذا كانوا رحمهم الله؛ تعظيمًا لهذه العشر الفاضلة، وهكذا كان اجتهادًا في العبادة وانقطاعًا لها في هذه الليالي المباركات.

وحُقّ لهم ذلك؛ فإن فيها ليلةً تفضُل لياليَ الدّنيا بأسرها، ليلةً العملُ فيها العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها مثلُ هذه الليلة، إنها ليلة القدر، إنها ليلةُ القدر، ليلةُ نزول القرآن: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القدر: 1-3].

وألف شهر ـ يا عباد الله ـ تعدل ثلاثًا وثمانين سنَة وثلاثَة أشهُر، الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! يا له من فضلٍ عظيمٍ لا يقصِّر فيه إلا مغبون ولا يحرَمُه إلا محروم.

قال الإمام الزهري رحمه الله: "سمِّيت ليلةَ القدر لعِظَمها وقدرِها وشرَفِها ومنزلتها". إنها الليلة التي تتنزّل فيها الملائكة حتى تكونَ أكثرَ في الأرض من عدَد الحصاة. إنها الليلة التي ((من قامها إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه)) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. إنها الليلة التي من حرم خيرَها فقد حُرِم، فكيف لا نجِدُّ في طلبها؟! ولا سيما أنّ الله أخفى موعدَها وسَتَر عن عبادِه زمانَها ليرَى جِدَّهم في عبادته وتذلُّلهم بين يديه. وأرجح الأقوالِ فيها أنها في الوترِ من العَشر الأواخر، وأنها تتنقّل، وأرجَى أوتارِ العَشر عند الجمهور ليلة سبعٍ وعشرين.

وليلة القدرِ فقل: أرجاهـا     ليلةُ سبعٍ وعشرين فقمْ تلقَاها

كما نصّ على ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله. غير أنّ القولَ بتنقُّلها بين ليالي أوتارِ العشر هو الأظهر جمعًا بين الأخبار. فينبغي على المسلم أن يجتهدَ في هذه العشرِ كلِّها ليدركَ ليلةَ القدر. قال أهل العلم: "وإنما أخفَى الله عزّ وجلّ موعدَ هذه الليلة ليجتهدَ العبادُ في العبادة، وكي لا يتّكلوا على فضلها ويقصّروا في غيرها، فأراد منهم الجدَّ في العمل أبدًا".

إنها ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهر، خفيَ تعيينها اختبارًا وابتلاءً؛ ليتبين العاملون وينكشف المقصِّرون، ومن حرص على شيء جدّ في طلبِه وهان عليه ما يلقى من عظيم تعبه. إنها ليلةٌ تجري فيها أقلامُ القضاء بِإسعاد السعداء وشقاء الأشقياء، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، ولا يهلِك على الله إلا هالك.

وقد جاءَ في الصحيحين عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قلتُ: يا رسولَ الله، أرأيتَ إن علمتُ أيَّ ليلة هي ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: ((قولي: اللّهمّ إنّك عفوٌّ تحبّ العفو فاعفُ عني)). اللّهمّ إنّك عفوٌّ تحبّ العفوَ فاعفُ عنّا.

أمّةَ الإسلام، ويجمُل الصيامُ والقيامُ والدعاءُ وتتوافرُ أسباب الخير ويعظم الرجاء حين يقترِن بسنّة الاعتكاف، فقد اعتكف المصطفى هذه الأيامَ حتى توفّاه الله.

عجيبٌ أمر هذا الاعتكاف في مقاصِده وغاياتِه، المعتكِف ذِكرُ الله له نِعمَ الأنيس، والقرآن له خيرُ جَليس، والصلاةُ قرّة عينه وراحتُه، ومناجاة الحبيبِ شُغلُه ومتعتُه، والدّعاءُ والتضرّع شعارُه ولذَّته.

فيا أيّها الأحبّة في الله، هذه أيّامُ العشر المباركة كالتّاج على رأس الزمان، فراعوا حقَّ هذه الأيام، فوالله لليلةُ القدر لا يكثُر في طلبها عشرُ، لا بالله ولا شهر، لا تالله ولا الدّهر، ليلةُ القدر يفتَّح فيها الباب ويقرَّب فيها الأحباب ويُسمع الخطاب ويردّ الجواب، إنها ليلةٌ ذاهبةٌ عنكم بأفعالكم وقادمةٌ عليكم غدًا بأعمالكم.

فيا ليت شعري، يا ليت شعري ماذا سنودِعها؟! وبأي الأعمال نودِّعها؟! أتراها ترحَل حامدةً منا الصنيع أم ذامّةً التفريط والتضييع؟! هذا أوان السباق فأين المسابقون؟! هذا أوانُ القيام فأين القائمون؟!

يا رجالَ الليلِ جِدُّوا   رُبّ صوتٍ لا يُردُّ

لا يقـوم الليلَ إلا    منْ لهُ عزمٌ وجِـدُّ

أليسَ من عجبٍ أنَّ فئامًا منَ الناس أغفَلُ ما يكونون في زمانِ الجد والاجتهاد؟! أليسَ من الغريبِ أنّ الكثيرين لا يحلُو لهم التسوّقُ إلا في هذه الأزمنة النفِيسَة؟! أليس من الأعجَب أنّ أقوامًا يكونون أكثرَ ولعًا بمشاهدة القنواتِ الفضائية في هذه الأيام العظيمةِ والليالي الشريفة؟! أين نحن من قومٍ كانوا أمضاءَ عبادةً وطاعَة في تجافٍ عن مسالك التفريط والإضاعة؟!

عُذرًا أيا العشْرُ الأواخِر هكذا  وحَلَ الطريقُ وغاصتِ الأقدامُ

أقبلتِ حيَّ هـلا لعلّ قلوبَنـا تصفُو ويصحُو حين جئتِ نيامُ

ولعـلّ مليـارًا يزيلُ غثـاءَه  ليصوغَ أمـنَ العالم الإسـلامُ

غيرَ أنه لا يمكن أن يَنسَى المسلمون في جديدِ التحديات والصّراعات قضيتَهم الكبرى، قضيةَ فلسطين والأقصى، لا سيما وهي تمرّ في هذه المرحلةِ بمنعطفٍ خَطيرٍ في ظلّ الحصارِ والهدم في محيطِ الأقصى الجريح والتوسّع من قِبَل الصهاينة المعتَدين في بناءِ المستوطنات والخلافِ بين الإخوة والنزاعات؛ ممّا يقوِّض فُرَصَ السّلام والاستقرارِ في المنطقة، فالله المستعان.

أمّةَ العطاء والمواساة، ويجدُر التذكير في هذا الشهر الكريم بفريضةِ الزكاة، فهي قرينة الصلاة في كتاب الله، فأدّوها ـ يا رعاكم الله ـ طيبةً بها نفوسكم، ولا تبخَلوا بمال الله الذي آتاكم.

ألا فاتقوا الله عباد الله، واستثمِروا هذه اللياليَ الغُرّ بالأعمال الصالحة، واغتنِموا واجتهدوا وأبشروا وأمّلوا.

يـا ربِّ عبدُك قدْ أتـاكَ       وقدْ أسـاءَ وقـدْ هفَـا

يكفيْـه منـكَ حيـاؤهُ        مِنْ سـوءِ ما قدْ أسلفَـا

يـا ربِّ فاعفُ وعـافِه        فلأنـتَ أولَى منْ عفَـا

نفَعَني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين. أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلماتِ من جميع الذنوب والخطيئات، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه كان للأوابين غفورًا.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله مُوالي البركاتِ والنِّعم، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله لا شريكَ له ذو الفضلِ الأعمّ والإحسان الأتمّ، منَّ علينا بليلة القدر الشريفة وما فيها من بَركاتٍ تُرتَسم، وأشهد أنّ نبيّنا محمدًا عبد الله ورسوله سيّد العرب والعجم، أزكى من صام لله وقام حتى تفطّرَ منه القدَم، وأجودُ بالخير من الريح المرسلَة في الجودِ والكرَم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ ما سعى المشمّرون للقِمَم، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

أمّا بعد: فاتّقوا الله عبادَ الله، واعرِفوا شرفَ زمانكم، واقدُروا أفضلَ أوقاتكم، وقدّموا لأنفسكم، فلا تضيِّعوا فرصةً في غير قربة، وتدَارَكوا بقيَّة شهرِكم بعمارته بالتقوى.

عليكَ بتقوى اللهِ في كلِّ أمرهِ   تجِدْ غِبَّها يومَ الحسابِ المطوّلِ

أيّها الإخوة في الله، هذه أيامُ شهركم تتصرّم، ولياليه الشريفة تتقضّى، شاهدةً بما عملتم، وحافظةً لما أودعتم، هي لأعمالكم خزائنُ محصَّنة ومستودعاتٌ محفوظة، ها هو ذا شهرُكم وهذه نهاياته، كم من مستقبِلٍ له لم يستكمله! وكم من مؤمّلٍ يعود إليه لم يدركه! هلا تأملتم الأجل ومسيره؟! وهلا تبيَّنتُم خداعَ الأملِ وغروره؟! فالشهرُ أوشَك على الرحيلِ بما أودعَ فيه العبادُ من أفعال، واللَّبيب من ختَم شهرَه بِتوبةٍ صادِقةٍ بالبُعد عن المعاصِي والآثام والإقبالِ على حُسن الصيام والقيام.

أيّها المسلمون، ومَع ما قرَّرته الشريعة من حرمَة هذا الشهر الكريم فلا تزالُ صدورٌ غلَت مراجلها بالبغضاء والحسد وعُقول انحرفت عن سواءِ الدين والرشد، قد ركِبت متنَ الغلوّ والجهل، تحاوِل زعزعةَ أمن هذه الديارِ الآمنة، وتنشر الفساد والإجرامَ في رباها الحالمة، فانَتهكَت حرمةَ الزمان والمكان، وامتشقَت أيديها أعمالَ الإرهاب والعُنف والتفجير وأفعالَ الإجرام والإفسادِ والتدمير، فكان سعيهم في وبالٍ وشأنهم في سِفالٍ بمنِّ الله وفضلة؛ حيث ردَّ كيدهم وأحبط مكرهم.

وما الجريمةُ النكراء والحادثة الشنعاء التي هزَّت المجتمع بل العالم المتمثِّلةُ في استهدافِ رموزِ الأمنِ في هذه البلادِ المباركة إلاّ تحولٌ خطيرٌ في مَسيرةِ هذا الفكر المنحرِف، يَقصِد إلى استهداف عقيدةِ الأمة وأمنِ الوطن واستقرارِ المجتمع، فالأمر عظيم والخطب جلَل، ولكنّ الله سلَّم.

ومَـا أخصُّك في بُرْءٍ بتهنئةٍ     إذا سلِمْتَ فكلُّ الناسِ قدْ سلِموا

ومَنْ كان في أوطانِه راعيًا لها    فذكراه مسكٌ فِي الأنـام وعنبر

فماذا يريد هؤلاء؟! ومن يقف وراءهم؟! وبأي شيءٍ يلقونَ الله ربّ العالمين؟!

ألا فليعلمْ كلُّ غرٍّ مأفون سلَك مسالكَ الإجرام أنّ الله سبحانه فاضِحُه لا محالة وحافظٌ هذه الديارَ المباركة ورموزَها من كيدِ الكائدين وعمل المفسدين، وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ [فاطر: 43].

وهيهاتَ هيهاتَ أن يكونَ إصلاحٌ مرتجَى بإثارةِ الشغَب والفوضى وسلوكِ مسالكِ العنفِ وحملِ السلاح وزعزعةِ الأمنِ والخروجِ على الإمام ونبذِ السمعِ والطاعةِ ومفارقةِ الجماعةِ والغدرِ والخديعةِ والخيانةِ والانتحار بأخرة. نسأل الله حسن الخاتمة، فرحماك ربَّنا رحماك، واللّهم سلِّم سلِّمْ.

وهي والله لهؤلاء عنوانُ الاستيئاس والإبلاسِ والابتِئاس ونهايةُ الإفلاس ولفظُ آخرِ الأنفاس.

ومن تفطَّن لآثارِ ذلك الفكرِ النَّشاز استشعَر أهمّيةَ العناية بالجيل وتربيةِ النشء على منهج الوسطية والاعتدال، واستئصال شأفةِ الإرهاب وتجفيفِ منابعِه، وتلكَ مسؤوليةٌ مهمّةٌ عظيمَة مشتَرَكة بين كافّة شرائح المجتمعِ وقنواتِ التوجيه كالمسجِد والأسرةِ والمدرسةِ ووسائِل الإعلام؛ ليؤدّي كلٌّ دورَه التربويَّ في المجتمع صلاحًا وإصلاحًا.

والنداءُ الجهير والدعوةُ المشفِقة الحرّاءُ موجَّهةٌ من منبر المسجِد الحرام، واغتنامًا لهذه العشرِ المباركة لكلّ من تورَّط في هذه الأعمال المشينَة بالمحاسبةِ والمراجعَة والأوبَة إلى جادّة الحقّ والصواب والاستفادة من فرصة العفوِ السانحَة قبلَ فواتِ الأوان، والله المسؤول أن يحفظَ على هذه البلادِ عقيدتَها وقيادتها وأمنَها وأمانَها ورخاءَها واستقرارَها، ويردَّ عنها شرَّ الأشرار وكيدَ الفجار وشرَّ طوارِق الليل والنهار، إنه خير مسؤولٍ وأكرم مأمول.

وتحيةُ تقديرٍ وإعزازٍ وإجلالٍ لولاةِ أمرِنا الأماجِد ورموزِ أمنِنا الأماثِل ورجالِ أمننا الأشاوِس على ما يقومُون به من جهودٍ جبّارةٍ في حفظِ ثغورِ وأمنِ هذهِ البلادِ والتّفاني في خدمةِ العباد من العُمّار والزوار وكلّ حاضرٍ وباد؛ حتى نعِم العمّار والزوار بخدماتٍ أمنية وصحيةٍ يقلّ نظيرها بفضل الله ومنِّه. فلله درّهم، وبوركت جهودهم، ولا حرَمهم الله الأجر والمثوبةَ، ولله الحمد والمنّة أولاً وآخرًا وباطنًا وظاهرًا.

ألا وصلّوا وسلّموا ـ رحمكم الله ـ على الرحمةِ المهداةِ والنعمةِ المسداة نبيّكم محمدٍ بنِ عبد الله، كما أمركم ربكم جل في علاه، فقال عز من قائلٍ كريمًا: إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56].

ألا أيُّها الراجي المثوبةَ والأجْرَ  وتكفيرَ ذنبٍ سالفٍ أنْقَضَ الظَّهْر

عليك بإكثار الصلاة مواظبًا     على المصطفى شفيع الورَى طُرًّا

فقد صحَّ أن اللَّه جل جلاله    يصلّي على من قالَها مرةً عَشرًا

اللهم صلِّ وسلّم وبارك على سيّد الأوّلين والآخرين ورحمةِ الله للعالمين نبيِّنا وقدوتِنا وحبيبِنا وشفيعِنا محمدٍ بن عبد الله النبيِّ المصطفى والرسولِ المجتبى والحبيبِ المرتضَى، وعلى آله الشّرفا وصحبه النّجبا ومن سار على نهجهم واقتفى، يا خير من تجاوز وعفا. وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمّة الحنفاء ذوي الشرف الجلي والقدر العليّ: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعنا معهم برحمتك وكرمِك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً