.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

العشر الأواخر

6150

الرقاق والأخلاق والآداب

فضائل الأزمنة والأمكنة

سالم بن سلامة الجلعود

القطيف

21/9/1430

جامع الإمام فيصل بن تركي

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- استغلال المؤمن لمواسم الخيرات. 2- حث المقصرين على التوبة. 3- فضل ليلة القدر. 4- التحذير من الفتور في آخر الشهر.

الخطبة الأولى

أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى وراقبوه, واعلموا أن أفضلَ الناسِ أكثرُهُم للموت ذِكْرا, وأحسَنُهم لما بعدَه استعدادًا.

وإن من أفضلِ ما يستعد به المرءُ استغلالَه لمواسم الخير, والتي منها العشرُ الأواخرُ من رمضان, فإن لياليها أفضلُ ليالي العام, وفيها ليلةٌ خير من ألف شهر, والعبادة فيها خير من العبادة ألف شهر فيما سواها. فحريٌّ بالمؤمن أن لا يفرّط في هذه الليالي, وأن لا يفتح بابًا للشيطان في التهوين من شأنها, فهي ليالٍ فاضلة, إنْ مَضَت على المؤمن دون أن يستغلها فإنه محروم؛ لأنه فوَّت على نفسه أسبابًا كثيرة لتكفير الذنوب ومضاعفة الحسنات والعتق من النار, وفوق ذلك أنه قد لا يدرك هذه الليالي في العام المقبل.

ومن كان مقصرًا فيما مضى من أيام رمضان أو مُفَرِّطًا ومذنبًا فلا يجوز له أن يقنط من رحمة الله، ولا يجوز له أن يقول: ما دمتُ قد فرَّطتُ في أكثرِ أيامِ الشهر فلن أستفيد منه فيما بقِي. فإن هذا هو القنوط الذي حرَّمَه الله ونهى عنه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وهذه الآية حُكْمُها باقٍ ما دمتَ على قيد الحياة, ما لم تبلغ الروحُ الحلقوم أو تطلع الشمسُ من مغربها.

فاحمدِ اللهَ الحليمَ العليمَ التوابَ الغفورَ الرحيمَ على ذلك، وأَقْبِل على اللهِ بقلبٍ نادم ومُخلِص وعزيمةٍ صادقة, فإن التوبة النصوح تجُبُّ ما قبلها, يقول النبي : ((التوبةُ تَجُبُّ ما قبلها)).

عباد الله، كان رسول الله يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره, ويجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها, فيعتكف فيها, ويَشُدُّ مِئزَرَه, وَيُحْيِي ليلَه, ويوقظُ أهله, وما ذاك إلا لفضل هذه الليالي, وطمعًا في موافقة ليلةِ القدر التي شَرَّفَها الله وبارك فيها.

فهي الليلة التي يُفْرَقُ فيها كلُّ أمرٍ حكيم، يعني يُفصَل من اللوح المحفوظِ إلى الْكَتَبةِ ما هو كائنٌ مِنْ أمرِ الله سبحانَه في تلك السنةِ من الأرزاقِ والآجالِ والخير والشرِّ وغير ذلك من كلِّ أمْرٍ حكيمٍ من أوامِر الله المُحْكَمَةِ المتْقَنَةِ التي ليس فيها خَلَلٌ ولا نقصٌ ولا باطلٌ, ذلك تقديرُ العزيز العليم.

وهي الليلة التي نزل فيها القرآن العظيم, والملائكة فيها أكثر من الحصى؛ لكثرة بركتها ونزول الرحمة فيها, وهي سلام للمؤمنين من كُلِّ مَخُوف لِكَثْرَة العتقاء فيها من النار, والسالمين من العذاب.

وعبادة المسلم لله في هذه الليلة خير من العبادة ألف شهر فيما سواها من الليالي, إلا في حالة واحدة, وهي ما إذا وقف العبد مجاهدًا في سبيل الله, لقوله عليه الصلاة والسلام: ((موقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود)).

عباد الله، من رحمة الله بعباده أن أخْفَى عليهم عِلْمَ ليلة القدر, فقد ثبت في السُّنَّةِ أنها وافقت ليلة أحدى وعشرين, وثلاث وعشرين, وخمس وعشرين, وسبع وعشرين, وتسع وعشرين.

كُلُّ ذلك رحمةً بِعِبَادِه ليَكْثُر عملُهم في طلبها في ليالي العشر بالصلاةِ والذكرِ والدعاءِ, فيزدادُوا قُرْبةً من الله وثوابًا، وأخفاها اختبارًا لهم أيضًا ليتبيّنَ بذلك مَنْ كانَ جادًّا في طلبها حريصًا عليها مِمَّنْ كانَ كسلانَ متهاونًا، فإنَّ مَنْ حرصَ على شيءٍ جدَّ في طلبِه وهانَ عليه التعبُ في سبيلِ الوصولِ إليهِ والظَفر به.

اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك, واغفر لنا ولوادينا ولجميع المسلمين, إنك أنت الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمد ربي وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

أما بعد: عباد الله، المؤمن الصادق الذي تعلق قلبه بالله كلما تقدمت به الأيام في رمضان زاد اجتهاده, وزاد قلبُه إيمانًا وَرِقَّة، وحَمَلَه خوفُه من انقضاء الشهر على المزيد من الخير.

وضعيفُ الإيمان يبدأ شهرَهُ بالاجتهاد ثم يفتر شيئًا فشيئًا حتى يترُكَ كثيرًا من عمله, أو يعودَ كما كان قبل رمضان.

فإيّاك ـ يا عبد الله ـ أن تكون كذلك, واحرص على الثبات وملازمة الطاعة, فإن من علامة قبول الحسنة الحسنة بعدها, وأن يكون العبد على حال أحسن من حاله السابقة.

ثم اعلموا ـ يا عباد الله ـ أن أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل, كما أخبر بذلك النبي . وأفضلُ ما يتقرب به العبد في العشر الأواخر بعد الفرائض صلاة الليل, ووقتها بعد العشاء. فَكُلُّ صلاة بعد العشاء تعتبر من القيام.

وأفضل وقتها: الثلث الأخير من الليل؛ لأنه وقت النزول الإلهي الذي يستجاب فيه الدعاء. يقول النبي: ((ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر, يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه, من يستغفرني فأغفر له))، ويقول أيضًا: ((عليكم بقيام الليل, فإنه دأب الصالحين قبلكم, وقربة إلى ربكم, ومكفرة للسيئات, ومنهاة عن الإثم)).

فاحرصوا ـ رحمكم الله ـ على صلاة القيام في هذه الليالي, واجعلوا ذلك سببًا لاستمراركم على صلاة الليل بعد رمضان، واجتهدوا في الدعاء لأنفسكم ولإخوانكم المسلمين، وأن ينصر الله الإسلام وأهله, وأن يرفع البلاء عن المسلمين.

اللهم تقبل منا الصيام والقيام، ووفقنا فيما بقي من الليالي والأيام, اللَّهُمَّ اجْعلْنَا من السابقينَ إلى الخيراتِ، الناهين عن المنكَرات، الآمنينَ في الغرفات، مع الَّذِينَ أنعمتَ عليهم وَوَقَيْتَهُمْ السيئاتِ، اللَّهُمَّ أعِذْنا من مُضلاَّتِ الفتنِ، وجنبنا الفواحشَ ما ظهَرَ منها وما بطَن...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً