.

اليوم م الموافق ‏21/‏جمادى الأولى/‏1446هـ

 
 

 

حتى لا يكون الصيام مملاً

6077

الرقاق والأخلاق والآداب

فضائل الأزمنة والأمكنة

عبد الرحمن بن الصادق القايدي

جدة

19/9/1429

جامع الأنصار

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

ملخص الخطبة

1- تجدد نعم الله تعالى. 2- وقفة محاسبة. 3- السبيل لتحقيق الشعور بلذة العبادة. 4- فضل الاجتهاد في العشر الأواخر.

الخطبة الأولى

أيها المسلمون، وهكذا نعم الله تتجدد بمرور أيام رمضان يومًا بعد يوم، إن من الناس من أوقفته المنية عن الاستمرار في صيام هذا الشهر المبارك، فلله الحمد على هذه النعمة.

إن معرفة نعمة الله علينا في هذا الشهر هو الذي يجدد النشاط في النفس ويبعث العزيمة على الاستمرار في العبادة والوفاء بعهد الله الذي عاهدناه عليه، عهد الله علينا أن نعبده لا شريك له ونعبده دائمًا وأبدًا لا نتوقف عن عبادته في زمن ونعبده في زمن، وإنما مشوار الحياة كلها عبادة لله رب العالمين، قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ.

أيها الإخوة الأحبة، ها قد مضى ثلثا الشهر تقريبًا، فنريد أن نحاسب أنفسنا: كيف مضت الأيام السابقة؟ وكيف انقضت لياليه؟ وهل هناك نية لتحسين ومضاعفة الجهد والازدياد في العبادة أم أن الملل والكسل دخل علينا؟

في الحقيقة معظم الناس يَنشَطُون في أيام رمضان الأولى ويَجِدُون لذة العبادة نتيجة الشعور بالتغيير في أول الشهر، ثم ما يلبث أن يبدأ هذا الشعور بالضعف شيئًا فشيئًا، ويُصبح الأمر نوعًا من التعود، ويقل المصلون في جميع الصلوات، ويقل قارئو القرآن الكريم.

إنني أسألكم ـ إخوتي ـ في الله: هل يجوز للمسلم ذو القلب الحي أن يفعل شيئًا من هذا الفتور؟! وإن حدث له ذلك ما الطريق للشعور بلذة العبادة طوال الشهر؟

فأولاً: يجب أن نحقق التعبد في الصيام باستحضار النية أثناء القيام به، وأن العبد يصوم لرب العالمين، أي: أن النية دائمًا تكون موجودة أن الصيام لله رب العالمين ولإرضاء الله، وهدف الامتناع عن الملذات إرضاء لرب العالمين، ولكي لا يتحول صيامنا إلى عادة يجب أن نستمر في تذكر الأجر في هذا الصيام وفضيلة العبادة في هذا الشهر، نتذكر دائمًا ونعيد في الأذهان حديثه : ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه)). إذًا هناك شرط لهذه المغفرة وهو الاحتساب، والاحتساب في كل الشهر وليس في أوله فقط، وإنما الاحتساب شرط لحصول المغفرة في جميع أيام الشهر، فالمحتسب على الله في الأجر يشعر بكل يوم وبكل صوم، ويرجع دائمًا إلى الله سبحانه وتعالى يطلب المغفرة والرضوان.

ثانيًا: أن نتمعن ونتفكر في هذا الأجر العظيم الذي بدون حساب أو عدد ولا يعلمه إلا الله، ((كل عمل ابن آدم له، كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشرة أمثالِها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)). حينما نتفكر بأن الله هو الذي يجزي على هذا الصوم فإن ذلك يزيدنا تصميمًا على الصبر والاحتساب والاستمرار.

أحبتي في الله، لا تنسوا أن الصيام سبب لتكفير الذنوب إلا الكبائر حينما نتذكر قوله : ((الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر)). يجب أن لا تغيب هذه الأحاديث عن أذهاننا ونحن الآن على وشك الدخول في الثلث الأخير من الشهر وهو أفضل ما في الشهر، الصيام يشفع لك يوم القيامة يقول الصيام: أي ربي منعته الطعام والشهوة منعته الشهوات في النهار فشفعني فيه، هكذا يقول الصيام يوم القيامة.

ثالثًا: فضائل الصيام وأهله كثيرة متعددة، منها أن الصائم يفرح بفطره وعند لقاء ربه، والباب المخصص الذي يدخله الصائمون إلى الجنة هو باب الريان، والخلوف الذي هو أطيب عند الله من ريح المسك، وفتح أبواب الجنة وإغلاق أبواب الجحيم وسَلْسَلَة الشياطين، كل ذلك إذا استشعرها الصائم تمنع تحول الصيام إلى عادة.

ومما يُعيد الحيوية إلينا ونحن في هذه الأيام المباركة أن نفهم ونعرف حديث النبي : ((إذا كان أول ليلة من رمضان صُفدت الشياطين ومردة الجن، وغُلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي مُنادٍ كل ليلةٍ: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة)). ثم انتبهوا لهذه العبارة جيدا وهي: لكل ليلة عتقاء من النار، هذه عبارة حساسة جدًا تجعل الصوم عبادة لنا في جميع أيام الشهر، وتمنعنا من التكاسل والفتور لأن الإنسان لا يعلم هل هو من عتقاء هذا الشهر أم لا، وإن كان منهم هل هو من عتقاء الشهر في أوله أو وسطه أو آخره، فبالتالي يجب أن يدعو ويدعو في كل حين ويأمل أن يكون من عتقاء هذا الشهر فيتجدد نشاطه ويزداد إقباله على الطاعة.

وكذلك تنوع العبادة في أيام الشهر من صيام وقيام وقرآن وإنفاق وزكاة وصدقات تجعل الشهر متعة وتبعد السأم إذا استشعر المسلم كل هذه البركات والخيرات من الله لمن صام إيمانًا واحتسابًا.

فيا عباد الله، لا تفقدوا لذة مناجاتكم وعبادتكم لله في أي جزء من هذا الشهر المبارك، وأدبوا وروضوا هذه النفس الأمارة بالسوء، وكذلك ينبغي التعبير عن الابتهاج والتذكر في كل مكان عن عظمة هذا الشهر وحلاوة أيامه ولذة عبادته، وأن نتذكر كم مضى من الشهر وكم بقي لكي نشعر بالرغبة في مزيد من الطاعة، قارن حالك قبل رمضان وحالك الآن وأنت في رمضان لتعرف عظمة هذا الشهر ولتعرف قيمة هذا الشهر.

أيها الناس، العبادة والتلذذ تحتاج إلى تفكر وتأمل لتصل إلى سويداء القلب فينشرح الخاطر، وتذكر بأنك سوف تنتظر أشهرًا كثيرة حتى يأتي رمضان القادم، والله وحده يعلم هل سوف تكون من الأحياء لتصل الشهر أم لا، كل ذلك يجعل الصيام عبادة ممتعة إذا استشعرها الصائم وعاش معها وليست عادة مملة.

نفعني الله وإياكم بالقرآن والسنة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مالك الملك ذو الجلال والإكرام رب العرش العظيم، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والقرآن، والله الذي لا إله إلا هو إنه ينبغي علينا أن نحبه أكثر من أي شيء، وهو سبحانه يصبر علينا وعلى ذنوبنا وأذيتنا له، فاللهم اجعلنا ممن يحبونك، واجعل حبك أحب إلينا من الماء البارد على العطش، وصلى الله وسلم على نبينا محمد السراج المنير والبشير النذير.

أيها الإخوة المؤمنون، من المعلوم أن ما بقي من الشهر خير مما مضى منه؛ لأن فيه العشر الأواخر وفيها ليلة القدر وهي خير من عبادة ألف شهر، ومن خصائصها أن النبي كان يجتهد بالعمل فيها أكثر من غيرها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي إذا دخل العشر شَدَّ مئزره وأحيا ليلَه وأيقظ أهله. وعنها قالت: كان النبي يخلط العشرين بصلاةٍ ونومٍ، فإذا كان العشر شمَّر وشدَّ المئزر. معنى ذلك: أنه في العشرين الأولى كان ينام ويقوم الليل، لكن إذا دخلت العشر شمَّر وقلل النوم وأكثر من العبادة أملاً وطلبًا لليلة القدر.

فإنها فرصة العمر وغنيمة لمن وفقه الله عز وجل، فلا ينبغي للمؤمن العاقل أن يُفوّت هذه الفرصة الثمينة على نفسه وأهله، فما هي إلا ليالٍ معدودة ربما يدرك الإنسان فيها نفحة من نفحات المولى، فتكون سعادةً له في الدنيا والآخرة.

ومن خصائص هذه العشر أن النبي كان يعتكف فيها، ومعنى الاعتكاف: لزوم المسجد للتفرغ لطاعة الله عز وجل؛ طلبًا لفضيلة ولإدراك ليلة القدر في العشر الأواخر، كما قال : ((تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر)).

وقد أخفى الله علمها عن العباد ليكثروا من الطاعة والصلاة والذكر والدعاء، فيزدادوا قربةً من الله وثوابًا، وأخفاها أيضًا اختبارا لهم ليتبين بذلك من كان جادًا بطلبها حريصًا عليها ممن كان كسلان متهاونًا؛ لأن من حرص على شيء جدَّ في طلبه واستهان بالتعب والمشقة ليظفر بطلبه. انظروا إلى التجار كيف يتعبون ولا ينامون إلا قليلاً، وإذا أشفقت على حالهم يقولون لك: هذا موسم أرباح لا يتكرر إلا مرة واحدة كل عام، أما التعب والإرهاق فنستطيع أن نعوضه بعد الموسم، فهل موسم الدنيا أهم من موسم الآخرة التي إليها معادنا وملاذنا؟!

اللهم اجعلنا من السابقين إلى الخيرات، الهاربين من المنكرات، الآمنين في الغرفات مع الذين أنعمت عليهم ووقيتهم السيئات، اللهم تقبل منا صيامنا، واجعله كفارة لما سبق من ذنوبنا وعصمة فيما تبقى من أعمارنا، وارزقنا أعمالاً صالحة ترضى بها عنا، واجعلنا ممن يدرك ليلة القدر ويفوز بالثواب الجزيل.

ثم صلوا على إمام الصائمين رسول رب العالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين...

 

محامد و أدعية طباعة الخطبة بدون محامد وأدعية 

إلى أعلى

إذا كانت لديك أية ملاحظات حول هذه الخطبة، إضغط هنا لإرسالها لنا.

كما نرجو كتابة رقم هذه الخطبة مع رسالتك ليتسنى لنا التدقيق وتصويب الأخطاء

 
 

 2004© مؤسسة المنبر الخيرية للمواقع الدعوية على شبكة الإنترنت، جميع الحقوق محفوظة

عدد الزوار حالياً